كلمة الملكة رانيا في المؤتمر الإقليمي حول حماية اللاجئين

October 15, 2014

 

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد.. حاكم الشارقة،

سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي،

أصحاب السمو والمعالي.. الحضور الكريم..

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتـه؛

سلام على كل أرض عطشى .. مقسمة بالنزاعات، وكل طفل سلبته الخلافات سنوات لعب؛ وعلم؛ وأمان.

الحضور الكريم:

الشكر الموصول لدولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة وسمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي؛ وسمو الشيخة جواهر القاسمي وللمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على عقد وتنظيم هذا المؤتمر، فمع كل ما يحدث في منطقتنا لم يكن الوقت مواتياً أكثر من الآن لجمع هذا الحشد الكبير من المعنيين بأمور اللاجئين.

فقد شهد عام ألفين وأربعة عشر أكبر النزوحات الإنسانية. كارثة تلو الأخرى حول العالم تلقي بملايين الناس خارج حياتهم. عدد الذين تركوا منازلهم فاق الخمسين مليون لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية؛ وسوريا هي الأكثر تأثراً.
نصف الشعب السوري تقريباً مهجر. وواحد من كل ثمانية سوريين ترك وطنه.
يتركونه بعد أن يتمزقوا بين مطرقة واقع مرير .. وبين سندان اللجوء إلى المجهول.
الاقتلاع من الوطن.. يخلق واقعاً جديداً... فالدنيا صغيرة عندما ننظر إليها ونحن آمنين.. لكنها موحشة وكبيرة وغريبة لمن لا يعيش في أمان...

حين يخرج الإنسان من وطنه قسراً، يترك رفات أجداده تحرس روح الوطن وذكرياته.
ينتقل من كونه ملكاً في بيته... إلى كونه رقماً. بالرقم يأكل؛ وبالرقم يسكن؛ وبالرقم يعيش.
في الإعلام يصبح واحداً من ملايين الأرقام العابرة التي تذكر في نشرات الأخبار ... أرقام لجأت من هنا لهناك، مات منها كذا، وجرح كذا ... وعندما ينتهي سفك الدماء تقل حملات الإغاثة؛ وتفقد الأرقام أهميتها في الأخبار؛ وفي فكر الناس ودعواتهم.

أعرف بأن كل من في هذه القاعة يدرك حجم الكارثة؛ وقوة صفعتها على وجه إنسانيتنا... وأعلم أن كثيرين -هنا وغيرهم- يحاولون مساعدة اللاجئين والوقوف إلى جانبهم في محنتهم. لكن الكوارث الإنسانية تحتاج إلى جهود كل الناس.

التجارب أثبتت بأن من لديهم أقل يعطون أكثر... لأنك تعطي جزءاً من حياتك لا من مقتنياتك.
خمسة وثمانون بالمئة من النازحين في العالم يلجأوون إلى دول الجوار النامية، التي لا تسمح لها إمكانياتها الإقتصادية الشحيحة أن تعطي من مواردها ودخلها، لكنها تفتح أبوابها؛ وترد لهفة من يلجأ إليها، تتقاسم معه قوتها وأمنها وماءها ووقودها وعلاجها، وتعليمها وجميع خدماتها.

في الأردن؛ نعلم هذا جيداً، فكثافة اللجوء السوري تشكل تحدياً كبيراً لنا؛ خاصة في المجتمعات المحلية المستضيفة.

هناك أكثر من مليون سوري في الأردن... منهم ستمائة وثلاثة عشر ألفاً فقط مسجلين في الوثائق والسجلات.

فمع أن الأردن صغير بحجمه؛ إلا أنه كبير في انتمائه القومي والإنساني.. والبركة المطروحة في أرضه، والشهامة الأردنية لا تقبل الذل والمعاناة والتشرد لأي عربي.

منذ عقود والعالم يعرف جيداً أن بإمكانه الإعتماد على الأردن في المواقف الإنسانية الصعبة، وعلى العالم دور كبير في مساندة جميع الدول الحاضنة والمستضيفة للاجئين، لأن في هذا إستقرار لمنطقتنا.

لكن هناك عجزاً واضحاً في العطاء الإنساني؛ فالاحتياجات لتخفيف المصائب والمحن تفوق ما يقدم بكثير.

تقديرات الأمم المتحدة لحاجة الدول المستضيفة للاجئين السوريين تتجاوز ثلاثة مليارات دولار لتغطية نفقات احتضان اللاجئين في عام ألفين وأربعة عشر! لم يتبق من عامنا هذا سوى شهرين! ولم يتم تأمين سوى خمسين بالمائة فقط من هذا الرقم.

هذه الأرقام تغطي نفقات اللاجئين المسجلين وليس كلفة استضافة النازحين ككل.

فالعائلة النازحة؛ والعائلة المواطنة التي تشاركت معها في مواردها الشحيحة من مياه؛ وطاقة؛ وكهرباء، والطفل الذي ترك مدرسته وبيته ووطنه؛ والطفل الذي اكتظ صفه؛ وتقاسم عطاء معلمه؛ ووقت حصته الدراسية. كلهم بحاجة للدعم، لئلا يشعر أي منهم بالقهر.

ثلاثة أعوام إنطوت وطفولة اللاجئين تمضي... وللطفل ثلاثة أعوام هي عمر.
ماذا تقول الأم في المخيم لأولادها؟ أي قصص نوم تقرأ لهم؟ أي أنشودة لأحلامهم؟ وأي حب لأية حياة؟

الحياة التي كانت تحتضن طفولتهم وترعاها، ينامون هانئين وسط أهلهم. أم الحياة التي يتمتهم وأهانت أهلهم وذلت كبيرهم أمام أعينهم ... أية حياة؟

حياة صفعتهم بالمآسي؛ حولت ملاعبهم إلى ساحات ينتهك فيها كل شيء. صدمتهم الحياة
بقسوتها وإجحافها في حقهم. أثقلت أعوامهم الصغيرة بهموم وتراكمات ندوب جسدية ونفسية. أية طفولة وأي مستقبل ينتظر الأطفال في أوطاننا العربية الممزقة؟

هل سنرضى لهؤلاء الأطفال.. للملايين من هذا الجيل أن يكبروا وهم يعتقدون أننا رأينا حالهم والفراغ في مستقبلهم، ولم نفعل شيئاً؟

هل سنفعل ما بوسعنا؟ أم نفعل ما علينا فعله؟

هل سنتركهم يشعرون بالخيبة وبالظلم والقسوة على عالم تجاهل آلامهم.

هناك مئات الآلاف من الأطفال العرب خارج المدارس بسبب النزاعات.

وأثمن ما قد نقدمه لهؤلاء الأطفال هو تعليم يقيهم ذل الضياع، حتى لا تقعدهم دوامة اللجوء عن بناء حياة ملكهم.

واجبنا هو أن نؤمن لهم تعليماً يرون من خلاله مستقبلهم... تعليماً يخرج بخيالهم وطموحهم من الشتات إلى عالم لهم فيه دور.

فحين ينقشع غبار الحرب سيبدأ أطفال وشباب اليوم بالعودة لأوطانهم، ولكي يبنوا وطناً ينعمون فيه بالأمن والإستقرار... يجب أن نعلمهم اليوم. التعليم هو أداتهم لإعادة بناء أنفسهم وإعادة إعمار أوطانهم.

الحضور الكريم.... كل يوم يتمنى اللاجىء أن يفيق ويجد نفسه في حياته التي كانت ملكه، أو أن يحمله اليوم إلى حياة أخرى، لكن ليس هنا.... ليس هكذا!

ينتظر لعل الغد هو ذلك اليوم؛ فيعيش وفي نفسه غصة... بأن لا تكون هذه الحياة هي ما يورثها لأبنائه.
يعيش على الأمل... وبالإيمان.... وعلى وعود بأن الإنسانية لن تخذله في محنته. يعيش آملاً أن يكون إضافة للإنسانية، لا ضيفاً ولا لاجئاً.. ولا هارباً.. ولا باحثاً عن حياة. يعيش آملاً ألا يترك هذه الدنيا مجرد رقم.

إغاثتهم وتمكينهم من العيش مسؤولية كل شخص خارج تلك الدوامة، لا عطفاً بل واجباً إنسانياً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.