كلمة الملكة رانيا خلال جائزة فارس العطاء العربي، أبو ظبي، الإمارات

May 09, 2010

سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ...

السيدات والسادة الكرام ... أخواتي وإخواني العرب ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

السلام على كل من حمل عبء أمانة المسؤولية...

مسؤولية الأجيال القادمة.

والعطاء مسؤولية كل منا، كل حسب مقدرته، ورؤيته، وهمته.

شكراً لمبادرة زايد العطاء على هذه اللفتة: ما أجمل أن يكرم المرء من كريم..

وهذه المبادرة تحمل اسم رمز من رموز العطاء العربي والعالمي، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

أقف اليوم هنا أمام حشد من المعطائين، في دولة لم ترفع عالياً المباني وناطحات السحب فحسب، بل ونوعية حياة مواطنيها.

الكرم متغلغل في أصلنا، في تاريخنا: فرائحة الهيل والقهوة تعطر الثوب العربي، والنيران  المشتعلة للترحيب بالضيوف لطالما أضاءت بوادينا.

الكرم سمة للعرب أباً عن جد، وهو خلق رفيع منقوش على أكف أسلافنا..

أما العطاء..... العطاء.. فهو حاضرنا ومستقبلنا.

وعادة ما يرتبط العطاء بالمسؤولية.. مسؤولية إعطاء الدنيا أكثر مما أعطتك..

وتزداد المسؤولية  كلما كان الإنسان مقتدراً، سواء بهمته أو ثروته أو بحسه العالي بالإنسانية.

لقد أنعم علي سبحانه وتعالى حين وضعني في منصب أستطيع من خلاله أن أؤثر في حياة  الناس. لذلك سأتقلد هذا التكريم اليوم وساماً على واجب قمت به، ولا أعتبره جائزة..  لأن الأوسمة عادة تمنح على أداء الواجب.

وأعتبر أن عملي من أجل الارتقاء بالتعليم في مجتمعي الأردني والعربي والعالمي هو مسؤوليتي الفردية، قبل أن يكون مسؤولية ملكة الأردن.

هناك ستة ملايين طفل عربي تقريباً خارج الصفوف المدرسية.

في وطننا العربي - في وطن نتشارك فيه بالهوية والمصير – أطفال يجوبون الشوارع بحثاً عن نافذة مفتوحة.. يحلمون بالمدرسة، ويفيقون من حلمهم على يوم جديد ليس فيه لهم سوى الجوع والحرمان والجهل: عندما يفقد المرء أمنه الإنساني يفقد التعليم أولويته.

عندما يجند الأطفال لا يتعلمون. وعندما ينزح ضحايا الحروب والاضطرابات تتحول المدارس الى ملاجئ. وعندما تهدم المدارس وتتناثر ركاماً في الحروب لن يتعلم الأطفال.

التعليم يصبح كمالية...

لكن ليس في القدس: ليس في مدينة الصلاة.

الأطفال في القدس يرفعون أيديهم بالصلاة لأجل تعليم يقيهم ذل الاحتلال، لأنه سلاحهم ودرعهم. فرصتهم الكبرى لحياة كريمة.

أمام الاحتلال، التعليم أولوية.

فالاحتلال الإسرائيلي يحاول جاهداً طمس هوية القدس العربية الإسلامية: يشن حملات مستمرة لتجهيل أجيالها القادمة وتهويد هويتها. في القدس عشرة آلاف طفل غير ملتحقين بالمدرسة.

بحمد الله وإذنه أطلقنا الشهر الماضي مشروعاً عربياً لإصلاح وتأهيل وتمكين المدارس في القدس الشرقية.

فالقدس مسؤوليتنا وعروبتنا، وحمل لن نتخاذل عن رفعه.

قبل عشر سنوات كان خمسة وخمسون ألف طفل إماراتي خارج الصفوف المدرسية، وخلال عشر سنوات أدخل هذا البلد خمسين ألفاً منهم إلى مقاعد الدراسة، ووضعهم على طريق معبد لعيش كريم، ومستقبل أكثر ازدهاراً لبلدهم.

لطالما كانت الإمارات رائدة في النهضة بأشكالها، لذا نعول على حسها العالي بالمسؤولية ومواقفها المعهودة تجاه أشقائها.. فتسهم بخبراتها المتميزة نحو الأطفال العرب.

قيل إن "الصعوبة حجة واهية... لا يغفرها التاريخ أبداً".

لهذا فاغتنام فرصة النهوض بشعوبنا اليوم، واجب ستحاسبنا عليه الأجيال القادمة، كما سيحاسبنا عليه التاريخ. وبصمتنا على هذه الحياة نطبعها نحن.. أين وكيفما شئنا، فإما أن تأتي ضعيفة تمحى مع مرور الأيام، أو تبقى  برهاناً على أننا لم نمر في هذه الحياة عابرين.  وأننا لم نأخذ دون أن نعطي، ولم نستمتع بحواسنا فقط؛ بل سخرناها للاستماع، والإبصار، وتلمس حاجات الغير.

والحاجة إلى التعليم في وطننا العربي ملحة.

سمة العرب التقليدية هي الكرم .... فلتصبح سمتنا من هذا اليوم ... العطاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.