مقابلة الملكة رانيا مع مجلة زهرة الخليج

March 01, 2014

هناك علاقة وثيقة قائمة على الود والتقدير والاحترام، تربط بين جلالتكم وبين سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة. في ظل رؤى وجهود مشتركة على الصعيدين الإنساني والتنموي..

كيف تنظرون جلالتكم إلى تلك الرؤى والجهود؟

الشيخة فاطمة إمرأة حفرت إسمها في صفحات التاريخ بعمل دؤوب وحرص على تقديم الأفضل لأولادها وبناتها؛ وهي لذلك أم الإمارات. وهي القدوة والصوت الدافئ والمرشد الذي يدفع بالمراة الاماراتية نحو العلا، بدأً من إطلاقها حملة وطنية لمحو الأمية وتعليم الفتيات وكذلك تأسيسها أول جمعية للمرأة الإماراتية. ومنذ أوائل السبعينيات حثت ومكنت سمو الشيخة فاطمة نساء الإمارات بالتعليم والحقوق ومهدت لهن الطرق للدخول في شتى الميادين العلمية والرياضية والسياسية. هي لي قدوة في عملها الدؤوب وهي اختي وصديقتي. 

نجحتم جلالتكم من خلال مبادراتكم وعملكم المتواصل في إحداث تغيير  جوهري في طبيعة الدور الذي تقوم به السيدات الأول في كثير من الدول العربية، حيث ارتقيتم به من مجرد دور شكلي إلى دور فاعل ومؤثر ومشهود له وبه..  كيف تنظرون إلى هذا النجاح ؟ وإلى من تنسبون الفضل فيه؟

حقيقة لم أهدف من خلال ما اقوم به إلى تغيير صورة بقدر ما أردت أن أحدث فرقا. وقد أنعم علي سبحانه وتعالى عندما وضعني في مكانه استطيع التأثير من خلالها على حياة الناس. كما أن ملوك الهاشميين لطالما كانوا مساندين وداعمين لزوجاتهم ولعملهن، ولجلالة الملك عبدالله الثاني فضل كبير في دعمي وتوجيهيي.

ما هي الأهداف التي تطمحون إلى تحقيقها من خلال عملكم؟

أؤمن بأن التعليم هو الحل الجذري لمشاكل مجتمعنا وفرصتنا الأكبر لتحقيق امكانياته. وبالتالي ما أتمناه هو تعليم نوعي لكل طفل أردني وإن شاء الله عربي.

فالفكرة، والموهبة والمهارة، لا يحدها الغنى والفقر، ولا الأصول والمنابت، ولا تميز بين ابن القرية وابن المدينة، وهي القاسم الاجتماعي الأعظم و الأعدل.

جلالة الملكة تصفين التعليم بأنه "الفرصة" وبدأت العمل على الإرتقاء بنوعيته منذ أوائل العقد الماضي، ما هو التحدي الأكبر لتوفير التعليم النوعي؟

العملية التعليمية متشابكة ومعطياتها كثيرة. ولهذا نعمل في عدة جهات ومع جهات مختلفة. فمثلا نحتاج إلى تدريب المعلمين وتعديل المناهج وإدخال التكنولوجيا إلى الصفوف، واعادة الثقة والمكانة العالية للمعلم وغيرها.

كل تلك هي من تحديات الإرتقاء بالتعليم والوصول الى التعليم النوعي؛ والتحدي الأكبر هو اشراك الجميع بعملية الإرتقاء بالتعليم وجعله على رأس أولويات الجميع؛ من صناع قرار وطلبة واولياء امور ومعلمين لأن نوعية التعليم هي التي ستحدد مستقبلنا كأفراد وكدول.

وهل من مشاريع جديدة لكم في قطاع التعليم؟

نعم، و أنتظر اتمام العمل على تجهيزه وإطلاقه بفارغ الصبر لإيماني الكبير بالحاجة اليه، وأنه قادر على توسيع آفاق التعليم في الأردن والعالم العربي. وإن شاء الله سيتم إطلاقه في النصف الأول من عام  2014. المشروع إسمه "إدراك" وهو أول منصة عربية غير ربحية للمساقات الجماعية مفتوحة المصادر أو MOOCS.

وستعمل هذه المحاضرات والمواد على إعطاء الراغبين فرصة للالتحاق مجانًا بمساقات متميزة تدّرس في جامعات عالمية مثل هارفرد ومعهد ماسشوستس للتكنولوجيا وجامعة كاليفورنيا في بركلي، مع امكانية  تحصيل شهادات اتقان في بعض منها. كما ستقوم بتطوير مساقات جديدة باللغة العربية خصيصًا لهذا الغرض بالتعاون مع مجموعة من نخبة الأكاديمين العرب، و بالشراكة مع أفضل الجامعات العربية.

الفرصة الثانية التي تتيحها هذه فهي تطوير مساقات قصيرة يقوم عليها محترفون وخبراء ومشاهير عرب في مجالات مختلفة من الفنون والعلوم.

وأخيرًا، ستكون هناك مساحة تتيح للعالم العربي رواية قصته بنفسه، حيث ستمكن المنصة أساتذة جامعيين وخبراء عرب من استخدامها  لتدريس مساقات باللغة الانجليزية عن المنطقة وتاريخها.

أؤمن بأن هذه المساقات ستتيح للشباب التعلم من الأفضل عالميا وعربيا مجانا وستقفز بالشاب مئات الخطوات إلى الأمام.

وأتمنى ألا يُفوّت العالم العربي وشبابه هذه الفرصة للاستفادة من تطورات جديدة في عالم التعليم. وأعتقد أن انفاق الدول العربية من دخلها القومي على التعليم أكثر من غيرها قد يكون أكبر دليل على حرصنا عليه. لكننا نستثمر كثيرا ولا نجني أرباحا بحجم ذلك الإستثمار لأن

مخرجات التعليم لا تزال لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل.

في ظل المتغيرات التي يشهدها الوطن العربي وإلحاح الشباب العربي على ضرورة توفير فرص عمل لهم... ألا يزال التعليم أولوية في هذه المرحلة؟

أكيد، هو أولوية خاصة في ظل المتغيرات السريعة وأكثر من أي وقت مضى. وقد أظهرت نتائج احصائية أجرتها الأمم المتحدة عن أولويات العالم بعد 2015 أن التعليم على رأس أولويات العالم العربي. كما أظهر الإستطلاع بأن أولويات العالم العربي التعليمية لا تقتصر على إدخال كل طفل عربي المدرسة، بل أن تضيف المدرسة للطالب وتعلمه ما يفيده.

فالإصلاح السياسي والإقتصادي لا يتم إلا بالتوازي مع الإصلاح التعليمي والذي في صلبه نهضة مهاراتية وصحوة تعليمية. وفي هذه المرحلة الخطرة التي تمر بها بعض دولنا العربية يجب أن الحرص على  ألا تشل ظروفنا مستقبلنا سواء أكانت أمنية أو اقتصادية أو إجتماعية. وإن لم يكن التعليم أولوية خاصة في أوقات النزاعات ستجد الدولة بعد إنقشاع غبار المعارك والنزاعات أن جيلا كاملا لم يحظى بتعليم، أو تأثر تعليمه.

كيف هو وضع اللاجئين السوريين في الأردن من حيث التعليم؟

أعانهم الله وردهم إلى ديارهم سالمين وأنعم عليهم بالأمان، نحن نرى من خلال وضعهم كيف أن التعليم هو أول ضحايا الأزمات.

كثير من مدارس المملكة الأردنية الهاشمية رغم شح الموارد تحاول جاهدا ألا ترد طفلا تشرد عن وطنه ومقعده. لكننا نعمل ضمن إمكانياتنا. وعلى المجتمع الدولي أن يلتفت ويعزز من قدرات الدول المضيفة لللاجئين كي تستوعب هذه المسؤولية الكبيرة والمكلفة التي تقوم بها الدول المضيفة نيابة عن الإنسانية عموما. فالأردنيون يتحملون فوق طاقتهم لاستضافة إخوانهم السوريين؛ فشاطروهم أدراج أبنائهم ومعلميهم وكتبهم، والمعلم يعلم فترتان صباحية ومسائية. فالأردن صغير بحجمه الجغرافي لكنه كان دائما كبيرا في همته ومواقفه مع اخوانه. والشعب الأردني معروف عنه الفزعة والنخوة والسوريون جيراننا وإخواننا. وندعو الله أن يعم السلام والأمن كل الدول العربية.

لقد تم اختيار جلالتكم من قبل منظمة الأمم المتحدة كأحد أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة برسم أجندة التنمية العالمية لما بعد عام 2015 .. ما أهمية مثل هذا المشروع في هذا الوقت وقد تكون أولويات العالم العربي لا تزال غير واضحة في هذه الفترة؟

العالم تغير كثيرا منذ وضعت الاجندة الانمائية الأولى عام ألفين ولا يمكننا اعتماد استراتيجيات الأمس لمواجهة متطلبات الغد، خاصة وأن للحاضر ملامحا متغيرة لا يمكننا العمل بمعزل عنها.

وقد عقدنا سلسلة من الإجتماعات لصياغة الأهداف الإنمائية الجديدة، أو من خلال ورشات اقليمية لوضع الاولويات الانمائية العربية، إضافة الى مناقشة الكثير من أولويات التنمية خلال اجتماعات مع الشباب الأردني والعربي. وفي هذا الوقت نأمل أن تكون حماسة الإنسان العربي للتغيير والإصلاح دفعة لصياغة عقد اجتماعي جديد.

وقد أظهرت الإستطلاعات بأن أكبر تحدي لصناع القرار في الوطن العربي هو تأمين التعليم النوعي والتعليم من أجل التوظيف باعتبارها أولويات الشباب في بلداننا.

جلالتكم تبنيتم نشر رسالة حوار الثقافات وتغيير الصورة النمطية السلبية نحو الإسلام ولكم جهود كبيرة في هذا الإطار سواء في المحافل الدولية  أو من خلال الحملة التي قمتم بإطلاقها على اليوتيوب...

 وإلى أي حد استطاع العالم الإسلامي التنبه لها ومواجهتها؟   

ظاهرة الخوف من الاسلام والصورة الخاطئة عن ديننا الحنيف عند الاغلبية في الغرب أساسها عدم المعرفة والجهل به. وعن طريق الحوار المعتدل ونشر الوعي عن حقيقة الدين الاسلامي والمجتمعات العربية يمكن تغيير تلك الصورة.

فالاستطلاعات العالمية تشير إلى أن النظرة السلبية والتحيز ضد المسلمين في الغرب ينخفض بطريقة ملحوظة عندما يكون الشخص يعرف أو تحدث مع شخص مسلم، فإذا دل هذا على أي شيء فإنه يدل أن التحيز ضد المسلمين أساسه عدم المعرفة وهذا يتطلب وعيا من طرفنا؛ وعملا، ويجب أن نقف وقفة جدية مع أنفسنا. ولا بد من أن ننظر الى ما يحدث اليوم في أنحاء العالم العربي من إساءات وعنف بإسم الدين والتي للأسف تعزز الصورة النمطية السائدة في أذهان الرأي العام الغربي عنّا.

في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التي يشهدها العصر، يمكن القول أن العالم بات يواجه تحدياً مركباً يتمثل في تحقيق الموازنة السليمة بين الانفتاح والانغلاق.

كيف يمكن تحقيق تلك الموازنة بحيث تصبح بوابة آمنة للمجتمع العربي والشباب والمراهقين ليعبروا من خلالها نحو المستقبل؟ 

الشباب في العالم العربي اليوم يعيش بعالمين مختلفين، العالم الحقيقي والعالم الافتراضي. فعندما يجلس الشاب امام الكمبيوتر يدخل عالمه الافتراضي، له فيه هوية معينة، يتفاعل مع غيره، يعبر عن نفسه بحرية، يؤثر على آراء غيره، ويرى الخيارات المتاحة لغيره ثم يبتعد عن الكمبيوتر ويعود لعالمه الحقيقي ليجد ان ليس لديه رأي ولا اعتبار ولا حرية، يديه مكبلة بقلة الإمكانيات وبالتالي قلة الخيارات ولذلك يشعر بالحسرة وخيبة الامل. وهنا يجب العمل على تجسير الهوة بين العالمين بتسليح شبابنا بالمهارات والامكانيات والوسائل التي تعطيهم خيارات أكثر. عندها سيدخلون الإنترنت غير باحثين عن أدوار وعالم افتراضي يحويهم. بل كشخصيات منتقية تبحث عن إضافة.

على الشباب أن ينتموا لطرح ثالث، طرح وسطي... يوافق بين التجديد والتقاليد... بين المعاصرة والاصالة. يجب أن نسلحهم بهويتهم وامكانياتهم بحيث يكونوا قادرين على تسخير العولمة والانفتاح لصالحهم. للإرتقاء بمجتمعاتنا لاثراء ثقافتنا ولتحفيز الفكر العربي، لاستخدام التواصل العالمي والشبكات المتوفرة بكبسة زر، الحل هو التواصل مع عقول العالم ومع حضاراته وخبراته، والحرية هي أن تملك خيارا.

جلالة الملكة كنت من أول الشخصيات العالمية التي دخلت مواقع التواصل الإجتماعي، ومعروف عنك متابعتك لمستجدات ذلك العالم والتفاعل معها من خلال صفحتك على يوتيوب وفيسبوك وتويتر وأطلقت مؤخرا صفحة انستغرام. كيف أقدمت على هذه الخطوة التي قد يراها كثيرين أنها جريئة خاصة من ملكة؟

وجدت أن تلك المواقع فرصة لأن أسمع، وأشارك، وأحاور. أعتقد أن دوري ومسؤوليتي هي أن أسمع أكثر من أن أتحدث، ومواقع التواصل الإجتماعي فتحت قنوات جديدة للتواصل السريع والمكثف والواسع.

من خلال انستغرام على وجه التحديد تعطينا لمحات عن حياتك العائلية وعن يومك. ما اللذي  جذبك في انستغرام؟

أعتقد أن المشاركة في الخبرات والأفكار شيء مهم وينمي العلاقات ويوطدها... فعندما تفرح مع أحد أو تحزن أو تفكر معه بشيء طرحه عليك تصبح بينكما علاقة. وعلى الرغم من أني لا زلت أتفاعل من خلال جميع صفحاتي على منابر التواصل الإجتماعي وجدت انستغرام طريقة سهلة وخفيفة لأشارك الناس فيما أحب فالصورة عن ألف كلمة كما يقال. ولا تتطلب كثيرا من الجهد والوقت لإشراك أصدقائي وعائلتي الكبيرة بالأشياء التي تهمني وببعض ما أقوم به خلال يومي، ولاقدم لهم بلدي الأردن وما أجمله وما أطيب ناسه وما أعلى همتهم.

نرى من خلال صوركم على إنستغرام ترابطا عائليا كبيرا وعلاقة حميمة بين جلالة الملك عبدالله الثاني وأولاده، هل هناك وقت محدد للعائلة؟

جلالة الملك طبعا وقته ضيق لكنه دائما يحرص على قضاء وقت مع الأمراء ويحرص على أن يكون الأمراء معه كلما تسنى له. فمثلا بعد عاصفة ثلجية قاسية هذا الشتاء إصطحبني والأميرة إيمان معه في جولة لتفقد المواطنين والإطمئنان على أحوالهم. كما أشار علي بأخذ الأمراء إيمان وسلمى وهاشم إلى بنك الملابس ليشاركوا ويقوموا بواجبهم تجاه افراد مجتمعهم وهذه إحدى الصور التي قمت بوضعها على انستغرام.

جلالة الملكة لم تحصري دورك بالأعمال التقليدية للسيدات الأول ونشاطك كبير وعملك كثير، ...متى تجدين الوقت لعائلتك؟

وقت العائلة هو الأولوية وأدخله على جدول أعمالي قبل كل شيء وأجد الوقت له بطريقة أو بأخرى. لكن مثل أي امرأة طبيعة الوقت الذي أقضيه مع أولادي تغير. فعندما كانوا صغارا كان من الضروري تخصيص وقت كبير لهم، لكنهم الآن مشغولون بدراستهم وأصدقائهم.

إبني الكبير الأمير حسين بن عبدالله ولي العهد يدرس في الجامعة، والأميرة إيمان ستلتحق بالجامعة هذه السنة إن شاء الله. وسلمى وهاشم وأنا نقضي كثير من الوقت معا.

من الواضح أن المرأة، بمختلف أدوارها وقضاياها، حاضرة دوماً ضمن أجندة اهتمامات جلالتكم.

فما هي الرسالة التي تتوجهون بها إلى المرأة العربية؟
في شهر آذار من كل عام مناسبتان  للاحتفاء بالمرأة:  يوم المرأة العالمي، وعيد الأم. لهذا أحب أن أهنىء كل إمرأة عربية  في أي مكان،  في الأوطان أو المهجر، في دارها أو شردتها الظروف. تحيتي إلى كل جدّة وأم وأخت وإبنة وخالة وعمّة وصديقة. وهاتان المناسبتان تأتيان للتذكير بالأدوار الكثيرة التي تبدع فيها المرأة سواء في عائلتها أو عملها أو مجتمعها ككل. وقلوبنا مع النساء العربيات اللاتي وجدن أنفسهن وأطفالهن وعائلاتهن في مهب الريح نتيجة الصراعات التي سادت المنطقة العربية. نأمل أن يسود الأمن والأمان جميع البلدان العربية ليكون احتفالنا القادم بيوم المرأة العالمي دون ألم أو غصة.

و المرأة العربية بشكل عام حققت الكثير من الإنجازات والتميز وأنا شديدة الفخر بكل إنجاز لأية  امرأة عربية في أي مكان.