مقابلة الملكة رانيا مع جريدة البيان الإماراتية

October 19, 2014

بسم الله الرحمن الرحيم

تربط الامارات والاردن علاقة مميزة ومتوافقة في الرؤى والجهود على الصعيدين الانساني والتنموي، كيف ترين جلالتك تحقييق المزيد من التعاون في مختلف المجالات؟

ج: العلاقة بين قيادة البلدين اخوية ومتجذرة وهي من يشكل الرؤيا للمزيد من التعاون على الصعيدين الرسمي والشعبي، والامارات مناصرة لقضايا أمتنا ولا تتوانى عن الدعم والمساندة في شتى المجالات. ودعم الإمارات للأردن محط تقدير وخاصة فيما يتحمله بلدنا من اعباء نتيجة تدفق اللاجئين جراء الاحداث في سوريا .

دائما البلدين الشقيقين يتطلعان الى تعزيز العلاقات فيما بينهما وهناك تواصل وتنسيق على جميع الاصعدة ونحن في الاردن نتابع ونفتخر بانجازات دولة الامارات وباهتمام قيادتة الخاص بالتعليم النوعي باعتباره أساس الارتقاء بالمجتمع وأنموذج للقيادة الحكيمة، ولا ننسى الدور الكبير الذي تقوم به سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك حفظها الله وعملها المتواصل من أجل نساء وأبناء الإمارات، والشيخة فاطمة اخت وقدوة وهي مصدر إلهام لي شخصيا.

شاركت جلالتك في المؤتمر الإقليمي حول حماية اللاجئين الذي يعقد في امارة الشارقة وقد تمحور حول الأطفال واليافعين اللاجئين في المنطقة. ما هو اهم عنصر يجب التركيز علية لحماية حقوق الاطفال اللاجئين؟

ج: كما هو معروف ان الاطفال هم من اكثر الفئات معاناة في ظل النزاعات وانعدام الامن ويتم التعامل معهم فقط لتلبية الحاجات الاساسية ويتم تجاهل الامور المتعلقة في بناء شخصياتهم ونفسياتهم وبناء قدراتهم العقلية ومعارفهم وهذه امور مرتبطة بشكل كبير بتوفير تعليم نوعي لهم، وهذا من وجهة نظري هو اهم عنصر يجب التركيز عليه.. وهو الضرورة الأولى لبناء مستقبل أفضل لهم.

هناك مئات الآلاف من الأطفال العرب خارج المدارس بسبب النزاعات في مناطقهم وانعدام الأمان، والتعليم  وحده هو الأداة لتأهيلهم من اجل مواجهة تحديات الواقع، وليتمكنوا مستقبلا من إعادة إعمار أوطانهم بعد العودة إليها بسلام بإذن الله.  

نعلم ان الاردن يعتبر من الدول الاكثر استضافة للاجئين السورين ولكن في ظل الاوضاع الاقتصادية ومحدودية الموارد كيف يتم التعامل مع هذا الامر؟

ج: الاردن كان وسيبقى بلد الاعتدال والتسامح وملاذ من ينشدون الأمن والطمأنينة، ومواقف الاردنيون تعكس قيم الكرم والاحترام والتعاطف وقيم الانسانية المشتركة التي غرسها جلالة المغفور له الملك الحسين فينا جميعا، وكرسها بكل فخر الملك عبدالله الثاني.

قدر الأردن أن يكون أحد أكثر الدول استضافة للنازحين  واللاجئين عالميا بسبب موقعه المتوسط بين دول جوار تعاني من الحروب والصراعات منذ عقود.. ومنذ بداية الأزمة السورية فتح الأردنيون بيوتهم وقلوبهم.. ومدوا يد العون لمن هم بحاجة لذلك.

الجهود المبذولة في الاردن في التعامل مع اللاجئين تتجاوز توفير الاحتياجات الاساسية بالكم الى العمل على النوعية وضمانها. ومع التقدير الكبير والشكر الى الامم المتحدة والدول الداعمة الصديقة والشقيقة الا ان هناك الكثير الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار.

نحتاج من المجتمع الدولي أن يضع نفسه مكان المدن الأردنية التي تقع على الحدود المليئة باللاجئين، ليدرك ما يعانيه سكانها من ارتفاع للاسعار وللإيجارات وتزاحم وضغط على ندرة ونقص الموارد مثل الماء والوقود.

الأردن بلد يواجه تحديات في الفقر والبطالة ولا يملك الثروة ولا الموارد الطبيعية وهو بحاجة ماسة للدعم حتى يتمكن من الاستمرار في القيام بالمسؤوليات تجاه اللاجئين وتوفير المتطلبات المتزايدة لهم.

بنظر جلالتك ما هي اهم التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الراهن؟

ج: تحديات العالم العربي في التنمية والتعليم ومحاربة الفقر والبطالة هي بالتأكيد هامة ولكن اهم ما يواجه العالم العربي هو التطرف والتمزق من الداخل عن طريق التفتيت او الالتفات الى هويات فرعية. وأعتقد أن العالم العربي حاليا بحاجة لاعادة الاعتبار لقيمة وقدسية الحياة من خلال تبني طرح ثالث، وطريق يعتز به الافراد كونهم عرب ومسلمين متمسكين بالعادات وهم بنفس جزءاً من العالم يتفاعلون معه يستخدمون كل ما هو حديث ومتطور ويبنون لأسرهم حياة جميلة وان لا يكون تناقض ما بين هذين الأمرين.

ومن اجل اعداد جيل قادر على مواجهة هذا التحدي يجب الاهتمام بالتعليم. وللأسف، يصنّف التعليم في العالم العربي بين أضعف نظم التعليم في العالم ناهيك عن مئات الآلاف من الأطفال العرب الذين لا يذهبون إلى المدارس أصلا بسبب ظروف أوطانهم. فمهما كان التحدي الآني الذي تواجهه أي دولة ... لن تستطيع الوقوف على أقدامها وبناء مستقبل متين إن لم تمكين أبناءها بتعليم نوعي.

تحدثت كثيرا وفي مناسبات عدة عن ضرورة أن يكون التعليم أولوية، وأن نتائج تجاهل العرب للفجوة الموجودة في نظم التعليم العربية ستكون كارثية... كيف ترين وضع التعليم العربي اليوم؟

 ج: واقع العالم العربي يعكس وضع التعليم فيه فنحن كل سنة نرى ملايين الأطفال والشباب الخريجين من الصروح العلمية، المدارس والجامعات، ولكن كم منهم مخترع أو مبتكر أو مبدع وهذه نتيجة حتمية لجمود نظمنا التعليمية وعدم محاكاتها لمتغيرات العصر وبالأخص لمتطلبات سوق العمل. وفي التعليم المبكر نجد ان نسبة التحاق الأطفال بالعالم العربي بالتعليم المبكر لا تتجاوز الـ 20% مقارنة بالدول المتحضرة التي تصل النسبة فيها 85%، ولهذا نجد ان انجازات التعليم في العالم العربي خلال العقود الماضية كانت للأسف في الكم وليس في النوع.. وعليه اصبحت مخرجات التعليم رافدا من روافد البطالة، وعبئا على المجتمع.

وحتى نعمل فرق في مستقبلنا كعرب علينا التركيز على مخرجات التعليم والاستفادة من الثورة المعلوماتية والاقتصاد المعرفي اللذان شكلا انقلاباً على العملية التعليمية بكل عناصرها، ولكن آثار ذلك لم تصل إلى مدارسنا وجامعاتنا.

معروف اهتمام جلالتك بالتعليم والشباب، ولكم الكثير من المبادرات التعليمية، ما هي الأهداف التي تطمحون إلى تحقيقها من خلال مبادراتكم؟

ج: انا أؤمن ان التعليم هو العامل المشترك الاكبر للمساهمة في ايجاد حلول لما نواجهه من تحديات، وانطلاقا من ان الوصول الى تعليم نوعي يحتاج الى تظافر جميع الجهود جاءت تلك المبادرات التعليمية لتعمل الى جانب الجهود الوطنية وتواكب مستجدات العصر وأدواته بما يؤهل ابناءنا لدخول سوق العمل ومواجهة تحديات الحياة بثقة.

وفي الاردن اطلقنا مبادرات بعضها ركز على تحسن البئية المدرسية والبرامج اللامنهجية، واخرى اهتمت بتدريب المعلمينوتزويدهم بالأدوات التي تمكنهم من الإنتقال بالتعليم من أساليب القرن الماضي  إلى اساليب ومعارف وأدوات القرن الحادي والعشرين.

ولتجذير التميز اطلقنا جائزة للمعلم والمدير المتميز، ومن اجل الاستثمار بالفرص الكبيرة التي تتيحها التكنولوجيا في التعليم جاءت مبادرة التعليم الاردنية التي عملت على توظيف التكنولوجيا في التعليم، والعام الحالي اطلقنا منصة إدراك الالكترونية العربية للمساقات الجماعية مفتوحة المصادر لتشكل فرصة فريدة ومهمة للوطن العربي، وتفتح المجال للمتعلمين العرب للالتحاق مجانا عبر شبكة الانترنت بمساقات متوفرة من قبل أفضل الجامعات العالمية.

هل مبادرة ادراك التي اطلقتها جلالتك لتوفير التعليم النوعي عبر الانترنت تستطيع ان توجه البوصلة في التعليم الى العالمية وتدفع الشباب العربي للمساهمة والاستفادة بفعالية من التعليم في مختلف القطاعات؟

ج: مما لا شك فيه ان التكنولوجيا الرقمية اصبحت في متناول معظم العرب ولكن لم توظف في التعليم على نطاق واسع ولهذا استطيع القول ان التعليم الإلكتروني فرصه متوفرة علينا الإستفادة منها لإحداث قفزة نوعية ولاجل الاستفادة من المستجدات العلمية على المستوى العالمي.

من خلال منصة إدراك يمكن الوصول لأكبر عدد من المتعلمين بشكل مستدام ويمكن تقديم حلول سريعة وفعّالة لتعليم الفكر الخلاق والمهارات المهنية التي يطلبها سوق العمل من خريجينا.

والامر المريح تدريس المساقات الكترونياً عبر شبكة الانترنت، يعطي المتعلمين حرية اختيار الوقت ولا يتحمل الطالب أية تكلفة مادية  للالتحاق بها. وتوفر المنصة مساقات تم تطويرها خصيصا من قبل أفضل الأكاديميين العرب أو مترجمة لما يتم تدريسه في بعض الجامعات العالمية المرموقة، ومنها ما تم تطويره من  قبل مختصين في مجالاته. مثل صناعة الأفلام أو تخصصات فنية أخرى.

جلالتك كيف كانت استجابة الشباب العربي لما يطرح من تعليم عبر منصة ادراك؟ وما هي الاتجاهات التي عكستها مشاركات الشباب فيها؟

ج: منذ إطلاق إدراك في شهر أيار الماضي، وبعد طرح عشرة مساقات تعليمية، وجدنا اقبال كبير وتعطش من الشباب العربي لمثل هذا النوع من التعليم الالكتروني وتم تسجيل أكثر من مئة ألف متعلم في المنصة وأتم الآلاف منهم المساقات التي سجلوا فيها.

وقد شهدت مساقات معينة إقبالا لافتا مثل: مقدمة في علم الحاسوب، والبرمجة، والصحة النفسية للطفل، ومهارات مقابلات التوظيف والعمل.

بعض مبادرات جلالتك التعليمة تخطت حدود الاردن. ما هي رؤية جلالتك لما يمكن أن تضيفه مثل هذه المبادرات للعالم العربي.

ج: في الدول العربية يأتي التعليم في سلم الاولويات. ولهذا تعمل المبادرات التعليمية التي تم اطلاقها على التواصل مع الجهات ذات العلاقة في العالم العربي تستفيد من ما لديها وتبني على الخبرات المتراكمة والتي تنسجم مع الاستراتيجيات والاهداف التعليمية العربية وخاصة فيما يتعلق بالمعلمين وتدريبهم.

وفي المستقبل القريب وبالتحديد خلال شهر كانون الأول القادم تنظم أكاديمية تدريب المعلمين اول مؤتمر اقليمي للمعلمين يجمع أكثر من سبعمئة مختص تربوي ومتحدثين وخبراء من جامعات ومؤسسات عربية وعالمية، وسيقدم تجربة مميزة وفريدة من نوعها لمعلمي المنطقة ليتعرفوا على أحدث التطورات والممارسات ووسائل التكنولوجيا لتطوير التعليم والتعلم في الغرفة الصفية، ويمكن للمعلمين من كل أنحاء العالم العربي المشاركة في جلساته.

جلالة الملكة اين تاتي العائلة(اسرتك شخصيا) في ظل ما تقومين به من اعمال وجهود.

ج: من المهم ان يضع الشخص في اوقت كافي للعائلة وهذا ما يحرص عليه جلالة الملك واحرص عليه ايضا.

الامير الحسين حاليا على مقعد الدراسة في الجامعة وعلى تواصل واتصال دائم وهذا العام انهت الاميرة ايمان دراستها المدرسية والتحقت بالجامعة وشعرت بالفراغ...بأن جزء من قلبي ينبض بعيدا عني. اشعر بالقلق والسعادة ومتحمسة لها.  هذه سنّة الحياة.

الامير هاشم والاميرة سلمى يتابعون دراستهم المدرسية بين اصدقائهم ولهم اهتماماتهم التي تتوافق مع دراستهم وبناء شخصيتهم، الله يحميهم ويوفقهم جميعا.