مقابلة الملكة رانيا مع صحيفة القبس الكويتية

December 14, 2010

 

 

تزور ملكة الأردن رانيا العبدالله الكويت للمشاركة في حفل خيري تقيمه شبكة المرأة العربية لدعم مبادرة «مدرستي فلسطين»، التي تهدف الى ضمان بيئة تعليمية مريحة وآمنة لطلاب مدارس القدس الشرقية. وللملكة رانيا العديد من الأنشطة الاجتماعية لعل أهمها دعم المؤسسات والمشاريع التي تهدف إلى الرقي بوضع المرأة وتمكينها من حقها في عيش حياة كريمة تتساوى فيها حقوقها الانسانية والسياسية مع الرجل. وهي ترى أن زيادة الوعي بأهمية تعليم الفتيات هو السبيل لمواجهة معظم التحديات التي تواجه عالمنا اليوم.

كما تحرص الملكة رانيا على التواصل مع وسائل الاعلام والمؤسسات الغربية لإيصال الصورة الحقيقية لثقافتنا العربية، وتقديم القضية الفلسطينية من منظور انساني يستطيع أن يتعاطف معه العالم.

حول سبل الارتقاء بمكانة المرأة في العالم العربي، والحد من العنف ضدها، وتطوير التعليم بحيث يواكب متطلبات العصر، وتغيير الصورة النمطية للغرب عن العرب والمسلمين، وغيرها من القضايا المصيرية، كان هذا الحوار مع جلالة الملكة رانيا العبدالله.

ما أهداف زيارة جلالتك للكويت، وكيف ترين تجاوب الكويتيين مع المبادرات العربية المختلفة؟

الكويت دائما سباقة إلى المشاركة في جميع المبادرات العربية ودورها في ذلك مميز، قيادة وحكومة وشعباً. وتأتي زيارتي في إطار المشاركة في حفل خيري تقيمه شبكة المرأة العربية في الكويت لمساندة ودعم مبادرة "مدرستي فلسطين" التي أطلقتها في ابريل الماضي. المبادرة تهدف الى ضمان بيئة تعليمية تفاعلية مريحة وآمنة لطلاب مدارس القدس الشرقية الموجودة في المدينة القديمة وداخل الجدار العازل وخارجه.

اعتبرت أن ضرب التلاميذ في المدارس "خط احمر لا يقبل تجاوزه بأي حال من الأحوال"... هل هذا الأمر يسري على الأهل أيضا، خصوصا ان مراجعات تجري لأساليب التربية تسمح بضرب الأطفال أحيانا؟

التربية تـُعَوّد... إن عوَّدت ابنك أو ابنتك على أن الضرب أداة مقبولة للتعامل مع المشاكل، فإنك ترسخ فيه مبدأ العنف في التعامل مع كل شيء... تستبدل الحوار والتفكير والتدبير بالعصا. آثار الضرب على الجسد تزول بعد فترة، لكن الأهم من الأثر الجسدي هو ما تخلفه هذه الممارسة من الناحية النفسية على الطفل.

بصفتك "رئيسة فخرية عالمية لتعليم الفتيات" بطلب من الأمم المتحدة هل أنت راضية عن مستوى تعليم الفتاة العربية، وأين ترين النواقص في ذلك؟

تتفاوت الدول العربية في ضمانها التعليم، فبعضها حقق المساواة بين الذكور والإناث. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر الدول التي تنفق على التعليم. لكن للأسف ما زال هناك فتيات يتشوقن الى الذهاب إلى المدرسة. تعليم الفتيات ضرورة لا يدرك الجميع أهميتها، فالتعليم يهزم الفقر والمرض وينقذ الفتاة من العنف ويمنحها الأمان، وفي الوقت ذاته هو في مصلحة المجتمع بأكمله. فالفتيات المتعلمات أكثر مساهمة وتأثيرا في حياة عائلاتهن، مثلاً المرأة المتعلمة تعيد استثمار حوالي 90% من العوائد التي تحصل عليها لمصلحة عائلتها، سواء كان ذلك في تعليم أبنائها أو تقديم الرعاية الصحية لهم، مقابل 30 إلى 40% فقط للرجال المتعلمين.

في رأيي أن السبيل لرفع معدلات تعلم المرأة ومواجهة معظم التحديات التي تواجه عالمنا اليوم تكمن في زيادة الوعي بأهمية تعليم الفتيات.

مبادرتك تحت عنوان "مدرستي فلسطين" ماذا حققت في القدس خصوصا؟ وماذا حققت مبادرتك "مدرستي الأردن" أيضا؟

في فلسطين، أنجزنا المرحلة الأولى من أعمال الصيانة في عدد من المدارس التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الاردنية، والعمل يجري حالياً لتطبيق مجموعة من البرامج التعليمية التي تهدف "مدرستي" من خلالها إلى زيادة الوعي بأهمية التعليم، وتمكين الطلاب والمعلمين من تطوير مهاراتهم وقدراتهم. وفي اعتقادي ان شعور طفل بالراحة والامان خلال وجوده في مدرسته هو انجاز لا يقدر بثمن.

أما "مدرستي الأردن"، فقد تمكنت من إصلاح 300 مدرسة حتى الآن، ونفذت مجموعة من الأنشطة اللامنهجية والبرامج التعليمية كتدريب معلمي المدارس المشمولة، وإدخال التكنولوجيا فيها، وزيادة الوعي بالممارسات الصحية السليمة وغيرها من البرامج. الانجاز الأهم لـ"مدرستي" هو الاحساس بالانتماء الذي ولّدته، وانتماء الطالب الى مدرسته، وانتماء المدرسة الى مجتمعها.

هل تفكرين في نشاط عربي مشترك في ميادين معينة تعتبرين إن شعوب المنطقة تعاني منها؟

نحن دائماً نتطلع إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات مع الدول العربية. ومؤسسة نهر الأردن التي أسستها قبل 15 عاماً مثلا، بدأت بتصدير خبراتها إلى الدول العربية الأخرى، وكانت المؤسسة النافذة التي من خلالها تحدثنا بصراحة وشفافية عن العنف ضد المرأة والأطفال، في وقت كان فيه تناول هذه المواضيع محرما وعيباً.

عندما أسمع أو أشاهد الآن طرحا لقضايا ترتبط بالعنف الاسري على قنوات فضائية عربية، وطريقة تناولها والمكاشفة فيها، أقول لنفسي إن دوائر التأثير بدأت بالتحرك في جميع الاتجاهات، وأي مشروع ناجح في اي دولة عربية هو مشروع مشترك ونجاح للدول العربية كافة.

لدينا أيضاً مبادرة "مدرستي" التي بدأت في الأردن ونقلناها إلى فلسطين لتحسين البيئة التعليمية في عدد من مدارس القدس الشرقية ولضمان حصول أبنائنا هناك على التعليم العربي المناسب، ونتطلع لأن تنتقل تجربتنا هذه إلى دول عربية أخرى. ونحن مستعدون للتعاون مع كل من يبدي رغبة واهتماما بتبني هذه المبادرة.

مستوى التعليم يتدهور باستمرار في مجتمعاتنا العربية، هل هناك مبادرة جماعية مطلوبة على هذا الصعيد؟

نتمنى أن يكون هناك دوماً تواصل وتعاون عربي مشترك لحل قضايانا المختلفة، وخاصة التعليم. وفي الدول العربية، تقوم السيدات الأوائل بدور كبير في هذا المجال لإدراكهن أهمية التعليم في بناء المجتمعات وإحداث التغيير الإيجابي فيها.

مشكلة النقاب تتفاقم مع الغرب، وكذلك مشكلة إلزامية الحجاب في بلاد العرب والمسلمين، كيف تنظرين إلى هذه المشكلة المزدوجة؟ وكيف ترين طريقة التعاطي مع كل جانب منها؟

أعتقد أن التحدي الأكبر هو الصور النمطية المسبقة الموجودة في الغرب عن الإسلام والمسلمين والعرب، إضافة الى عدم جدية الحوار بين الشرق والغرب الذي أدى إلى زيادة انعدام الثقة وسوء الفهم. علينا كمسلمين أن نتحدث أكثر عن نفسنا، وفي الوقت ذاته على الغرب أن يستمع إلينا لنستطيع تجاوز العنوان إلى المضمون.

كيف ترين مستوى مشاركة المرأة في الحياة السياسية وهل توافقين على نظرية "الكوتا" لتعويض المرأة ما لحق بها من إجحاف؟

الكوتا خطوة إيجابية لإشراك المرأة في العمل السياسي، لكن علينا ألا نعتمد عليها فقط. يجب أن نمكن المرأة ونمنحها الفرصة، حتى تستطيع إحداث التغيير ولعب دور إيجابي في مجتمعها الذي لن يحقق الازدهار ونصف قواه وموارده معطلة.

اليوم، المرأة موجودة بقوة في المجالات كافة، سواء في السياسة أو قطاع الأعمال، أو القطاع العام أو الخيري ولا ننسى دورها العظيم في داخل أسرتها. ونحن نطمح الى رؤية المزيد من الإنجازات التي تحققها المرأة بمساعدة المرأة، فعلى المرأة دور مهم جداً في إيصال وتشجيع غيرها من النساء.

هناك فجوة حضارية – اقتصادية – علمية بين دولنا ودول العالم المتقدم، كيف ترينسد هذه الفجوة، وما الوسائل المطلوبة على هذا الصعيد؟

اهم خطوات سد هذه الفجوة هو تمكين الشباب، ومنحهم تعليما يوسع مداركهم ويساعدهم على التفكير الإبداعي. وقد بدأنا نرى عدداً من الجامعات في الدول العربية التي تتبنى المنهج التطبيقي في الدراسة، فأصبح الشباب خلال دراستهم قادرين على عيش التجربة التعليمية بطريقة عملية ويطبقون ما يتعلموه. وفي الوطن العربي، لدينا مشاريع ريادية أسسها شباب عربي ووصلوا بها الى السوق العالمي حتى ان شركات عالمية مرموقة فاوضتهم على الشراكة للاستفادة مما لديهم. أهم ما يملكه الإنسان في يومنا هذا هو الفكرة، والإيمان بها لتنفيذها.

كيف تنظرين إلى دور الإعلام في حشد التأييد للخطوات التي تعملين من اجلها؟ وهل إعلامنا قادر على ذلك؟

الإعلام شريك رئيسي ودوره مهم جدا، فبدونه لن تصل المبادرة أو المشروع أو الفكرة الى الناس. ولا نشك بقدرات اعلامنا على حشد التأييد والتأثير وقد حقق الكثير من الانجازات على صعيد طرح قضايا مجتمعاتنا العربية، والمجال لا يزال مفتوحاً للمزيد من خلال تطوير آليات عمله وابراز جميع وجهات النظر خاصة من منظور الشباب.

انتقدت مرارا تغييب قضايانا وفي طليعتها القضية الفلسطينية، ماذا تقترحين لفك هذا الحصار؟ كما أنك رفضت أن نتعاطى مع قضايانا كضحايا خصوصا على صعيد القضية الفلسطينية لان ذلك يضعف موقفنا، وهل الحوار كاف في المقابل لتعويض النقص الذي نعاني منه؟

في الحقيقة، في معظم المقابلات التي أقوم بها في الخارج، يكون السؤال الأول عن القضية الفلسطينية. فالغرب بات يدرك محورية هذه القضية بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي. علينا إيصال قضيتنا على أساس إنساني حتى نتمكن من إقناعهم بعدالتها. من يستطيع أن يجادل أو يحتج على عدالة قضية تقوم على أبسط الحقوق الإنسانية؟ حق الفرد في الحرية والتعليم والمأوى والكرامة له ولعائلته؟

تحدثت مرارا وتكرارا عن احداث توازن في تقاليدنا وضرورات الحداثة، هل ترين أننا حققنا مثل هذا التوازن وأين نقاط الخلل على هذا الصعيد؟

أعتقد أن التوازن موجود، وقد يحدث في بعض الأحيان اختلال فيه لرغبة البعض في تحويل أو تصوير العلاقة بين التقاليد والحداثة على أنها صراع. لكن طبيعة الحياة والتغير المستمر فيها يتطلب منا أن نجاري ركب العصر بل ونقوده، وفي الوقت ذاته أن نحافظ على موروثنا الثقافي ونتمسك بالعادات والتقاليد التي تحدد هويتنا وتميزنا عن الآخرين.