ترجمة لكلمة الملكة رانيا خلال جلسة ضمن الاجتماع السنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومنتدى الأعمال للبنك

09 أيار 2018

شكراً لوسي على هذه الكلمات الطيبة.

وشكراً لكم جميعاً على حضوركم اليوم واستضافة هذا الاجتماع المهم هنا في الأردن.

في جوانب عديدة من حياتنا نحن حضارة تقف على الحافة. والأمم قاطبة تقف على أعتاب مستقبل لا أحد منا يدركه تماماً.

يرى البعض في ذلك مصدرا لليأس، وهم يحدقون النظر إلى الهاوية. وآخرون يملؤهم الحماس وهم يتخيلون ما ينتظرهم.

لكن ما هو مؤكد هو أنه لا يمكننا تخطي حاجز الهوة بالمشي خطوات صغيرة.

فالعيش على الحافة يقتضي بأن تكون جريئاً – بشراكات وقواعد وموارد جديدة، والأهم من ذلك بالتحلي بالثقة والشجاعة والالتزام للقيام بقفزة كبيرة.

هناك الكثير الذي يمكن مناقشته لكن لن أحاول عرض كل شيء هنا.

بل أود تسليط الضوء على بعض المواضيع الرئيسية التي سيكون علينا جميعاً مواجهتها.

أولاً: وتيرة التغيير المقبل، والذي يمضي بسرعة تفوق حركتنا، وبسرعة أكبر بكثير من أي ثورة واجهناها من قبل.

فالتحول من المَزارع إلى المصانع أخذ أكثر من 100 سنة.

لكن، يمكن أن يأخذنا أقل من 10 سنوات للانتقال من المصانع العادية إلى المصانع الذكية، حيث تقلب أجهزة الاستشعار، وعلوم الروبوت، وإدماج أنظمة التكامل عملية الانتاج بأكملها. 

بالاضافة الى ذلك، نواجه خطراً حرجاً هو التغيير الديموغرافي – خاصة في هذا الجزء من العالم، حيث 60% من السكان هم تحت سن الثلاثين عاماً.

حالياً، 2 من كل 5 خريجين في المنطقة العربية لا يمكنهم إيجاد وظيفة.

هذا قبل أن يسيطر عصر الأتمتة علينا بالكامل.

والآن يتوقع بعض الخبراء أن الآلات ستسيطر حتى على وظائف المبتدئين. إذاً كيف سيحصل الشباب – في منطقتنا وحول العالم - على الخبرات التي يحتاجونها للمضي قدماً؟

نعرف جميعاً أن جزءاً من الإجابة يكمن في إعادة تَصَوُرِ التعليم – في إعداد الأجيال الصاعدة للازدهار في هذه المرحلة الجديدة.

ويعني ذلك تطويع التكنولوجيا لإعطاء الجميع فرصة الحصول على المعرفة – من خلال أدوات مثل إدراك والتي أطلقتها مؤسستي في عام 2014 ... وهي الآن أكبر منصة الكترونية للمتعلمين في العالم العربي.

ويعني ذلك تعليم الأجيال لا كيفية النجاح في الامتحانات فقط، بل التفكير النقدي ليتمكنوا من التكيف مع متطلبات العصر، دون تقييد تطورهم.

ويعني ذلك تسليحهم للتميز بكل الطرق التي لا يمكن للالات التفوق فيها – بالذكاء الابداعي والذكاء الاجتماعي والذي لا يمكن اختزاله لوحدات البت والبايت.

لان ذلك المستقبل الآلي بكل ما سيحمل من تحديات سيأتي محملا بالفرص أيضا.

الآلات والروبوت سيكون دورها مساندا للبشر.. لكن لن تحل محلنا.

ينبع الذكاء الاصطناعي من القدرة على استيعاب الكميات الهائلة من البيانات. لكن لدى الكائنات البشرية أفكاراً فريدة. نحن قادرون على الإدراك دون تلقي التعليمات.

وحتى عندما يكون الذكاء الاصطناعي معبأ بالبيانات، يبقى الابداع هِبة بشرية. قد تكونوا شاهدتم العام الماضي كيف اخترع أحد الاستديوهات خوارزمية تم تصميمها لتقليد ج.ك.رولينج. وقد غذى البرنامج بجميع الروايات السبع وعاد بفصل من ثلاث صفحات في المقابل، مع العنوان الجذاب ولكن غير الرائج "هاري بوتر وصورة لما يشبه كومة كبيرة من الرماد

" Harry Potter and the Portrait of What Looked Like a Large Pile of Ash"

لكن هنالك أمل لنا.

في الواقع، قد يجد الناس في تحرُرهم من المهام الروتينية انفجارا للابتكار.

نعم، بعض الوظائف ستختفي لكن غيرها ستتطور أو تنشأ، مثلما أدى ظهور جهاز الصراف الآلي في تطوير دور موظف الصندوق في البنك.. وكما أوجدت المنصات الالكترونية مثل تطبيقات حجز السيارات قوى عاملة جديدة.

وسيوفر الذكاء الاصطناعي لنا أدوات جديدة مثيرة لتحسين حياة الناس – من التنبؤ الأفضل بغلة المحاصيل.. لتقييم الضرر بعد الكوارث الطبيعية.. لتوفير تشخيص مبكر وأكثر دقة للأمراض.. للمساعدة في العمليات الجراحية وتقليل مدة التعافي وخطر العدوى. 

كما أننا نعرف أن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تساعدنا في تحقيق مكاسب كبيرة في الانتاجية، وتوليد النمو الاقتصادي وتحفيز الطلب الجديد.

بهذه الطريقة، كما قال دانيال ساسكيند يمكن للأتمتة أن تكون حليفاً – تحل مشكلة من أكبر المشاكل التي نواجهها، وهي كيفية زيادة حجم الكعكة الاقتصادية.

عندها سيكون التحدي في ضمان حصول الجميع على حصة.

أما الآن فكما تعرفون لا يتم توزيع الفرص والازدهار بإنصاف.

وقد وجد المنتدى الاقتصادي العالمي أننا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحقق 62% فقط من إمكانياتنا البشرية.

جزء من السبب هو أننا نترك البعض وخاصة النساء خارج سوق العمل.

ولسنا الدول الوحيدة التي تترك المواهب البارعة دون الاستفادة منها.

ليكون مستقبل العمل ناجحا ومنتجا يجب أن يشمل الجميع.

ومع ذلك فزيادة اللامساواة في العديد من دول البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تجعل تلك المهمة أصعب. نرى الشعبوية بازدياد. والأسئلة المعقدة يتم الإجابة عليها بطريقة غير ناضجة – والإصلاحات قصيرة المدى تضع الاستقرار على المدى الطويل في خطر.

هنا على الحافة، من المغري التمسك بما يبدو مألوفاً وآمناً.

ولكننا بحاجة لقادة لديهم الجرأة الكافية للوصول إلى اتجاهات جديدة. قادة يدفعوننا لنكون أفضل ما يمكن أن نكون عليه بدلاً من تأجيج أسوأ دوافعنا.

وفي النهاية، مستقبل العمل هو بالفعل مستقبل الناس.

وحتى عندما نتعامل مع الرموز الرقمية التي تعيد تعريف حياتنا في الواقع، هنالك رموز أقدم ما زالت تتطلب اهتمامنا. رموز انسانية مثل التعاطف والرحمة والتفاهم، والتي يمكن أن تؤثر على أعمالنا وتوجهها.

اليوم، هنا في الأردن، كل شخص سابع هو لاجئ سوري.

عندما كنا نفكر بما يجب فعله حيال الأزمة في سوريا.. كيف يمكننا مساعدة جيراننا الذين هم بحاجة لنا.. لم نترك الأمر لماكينة. ولو أننا فعلنا ذلك، على الأرجح كانت أدخلت الأرقام وبالنتيجة أغلقت الحدود – فوراً.

الذكاء الاصطناعي لن يتطابق أبدا مع عيش التجربة. لا يوجد قوة خوارزمية ستساوي في يوم قلب الإنسان.

أنا على ثقة أننا إذا واجهنا تحدياتنا مع التصور والتعاطف البشري، يمكن أن يكون سوق العمل المستقبلي مكاناً أفضل للجميع.

يمكن أن يكون مستقبلا فيه وظائف أكثر، وليس أقل.

مستقبلا فيه مساواة أكثر، وليس أقل.

مستقبلا فيه ازدهار أكبر، وليس أقل.

مستقبلا يستحق القيام بالقفزة.

لذا دعوني أنهي خطابي بكلمات من قصيدة كتبها كريستوفر لوغ:

تعالوا الى الحافة.

قد نسقط.

تعالوا الى الحافة.

إنها عالية جداً.

تعالوا الى الحافة.

وجاؤوا،

ودفعهم،

فحلقوا.

شكراً جزيلاً.