كلمة الملكة رانيا خلال تسلم الدكتوراة الفخرية في الجامعة الاردنية

30 آذار 2008

الجامعة الأردنية - عمان, الاردن

بسم الله الرحمن الرحيم

معالي الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة الأردنية الأكرم.

الأساتذة الكرام.

الأخوة الطلبة والطالبات.

الحضور الكريم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على منحي درجة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الاردنية .. الجامعة الام، انطلاقة التعليم العالي في بلدنا، انطلاقة كللها المغفور له جلالة الملك حسين بن طلال منذ ثلاثة وأربعين عاماً حين وقف هنا ليتسلم الدكتوراه الفخرية، ويخرج الفوج الاول من طلاب هذا الصرح التعليمي الرائد. حينها، كان عدد طلاب جامعتكم مئة وسبعة وستين، وعلى مر العقود الأربعة الماضية تخرج من أقسامها المختلفة مئة وثلاثون ألف طالب، كانوا شاهداً على مستقبل زاهر بدأ من هنا .. من على مدرجات هذه الجامعة العريقة.

منذ فترة ليست بعيدة، زرت هذه المدرجات، مررت بسكوير الهندسة .. أردت أن أتعرف عليكم عن قرب ودون حواجز ... أن أستمتع بروح الشباب وطاقته وشغفه للحياة ومخيلته التي لا حدود لآفاقها، وسمعت بعض الأحاديث الدائرة بينكم فأعادتني إلى شعور العشرين، واحتلتني ذكريات أيامي الجامعية.

ما سمعته في سكوير الهندسة من أحاديثكم أرجعني إلى دردشاتي أنا وأصدقائي في حرم جامعتنا أو سكن الطالبات، هي ذاتها، مستقبل لا نعرف عنه غير الرغبة في اقتحامه والتخوف منه، لنا نفس الهموم والطموح والمسؤولية والاهل والحب، مشاعر وآمال هي شغل الشباب الشاغل في كل مكان وزمان .. وأنتم شباب الاردن، وقلبه النابض، أنتم نوارتنا.

يقال: إن أردت أن تعرف مجتمعاً فانظر إلى شبابه، وأنا حين أنظر إليكم الآن أكبر بكم .. متعلمون، مثقفون، متنوعو المواهب، نشميون رؤوسكم عالية .. أنتم مفخرتنا جلالة الملك عبد الله الثاني وأنا، فحين نسافر نحمل معنا نجاح وانجاز وعطاء شباب بلدنا قصصاً نرويها ونتغنى بها حيث نذهب، عن مشاركة شباب الأردن في بناء مجتمعه: عن علياء التي كانت، ومنذ الصف التاسع، تعلم الكمبيوتر لنساء مجتمعها وبناته، وعن محمد الطالب في سنته الجامعية الثانية الذي خصص يومين في الاسبوع، يقرأ فيهما لأطفال أحد دور رعاية الايتام، وعن رشا التي تتطوع لتعليم صفوف الحضانة أثناء دراستها الثانوية، و سلمى التي تعلم فن الرسم للأطفال في أوقات فراغها.

جهود فردية قد تبدو صغيرة بحجمها ولكنها كبيرة بأثرها.

كانت السياسة محور حديثكم، عن الوضع المأساوي في غزة، واضطرابات شلت لبنان، وعنف وطائفية يهددان أهل العراق ... أما مركز اهتمامكم فكان أوضاع بلدنا الحبيب ... الأردن.

أسعدتني روح المواطنة فيكم وفيما سمعته في جلساتي بينكم من أحاديث سياسية واعية، فجميع البشر ساسة بالفطرة .. هكذا قال الإغريق عندما سموا المجتمع "بولس" أي سياسي، ولم يقصدوا الأحداث السياسية التي نشاهدها في الأخبار فحسب، بل هي المواطنة ... "فالأبولس" هو المواطن ... هو الشخص الذي يتفاعل مع أفراد مجتمعه .... وأطلقوا تسمية "غير مشارك" على من أسقط حق المجتمع عليه بالمشاركة الفاعلة، لا يساهم في اتخاذ القرار أو تحديد ما ينقصه أو ما ينفعه وينفع مجتمعه .... وهو يسلك دروباً رسمت له دون رأي في رسم اتجاهاتها.

لكن شباب الأردن ساسة ... وحسهم بالمسؤولية تجاه وطنهم وأنفسهم ومجتمعهم لا يحتاج إلى برهان.

نحن جميعاً تلك النفس العربية التي دعى المغفور له جلالة الملك الحسين الى بنائها على هذه التربة منذ قرابة أربعة عقود، هنا من جامعتكم، "نفس يمتزج فيها ضياء الحق بنور المعرفة"، نعم نحن نفس واحد متجانس، وطن في جسد واحد ... هويته واحدة ومصيره واحد وكل فرد من أفراده سياسي مسئول عن نفسه وعن غيره.

قد تغيب الرؤية عن أحدنا فلا يعرف من أين يبدأ، أو كيف يشارك بالنهوض بالمجتمع، وآخر يعتقد أن المسؤولية الاجتماعية لغيره متجاهلا أن مشاركة أحدنا لا تغني عن مشاركة الآخر، فالبناء مسؤولية جماعية لا تستثني أحداً ... هي مسؤوليتك ومسؤوليتك ومسؤولية رانيا، هي "و" وليست "أو"، مسؤولية كل أردني حتى لا يجد أي منا نفسه في طريق رسم له، فإن لم تساهموا أنتم .. المتعلمون، الجامعيون، الساسة، في تحسين المجتمع وتطويره .. فمن؟ إن لم نتحرك الآن .. متى؟ إن لم نساعد الأقل حظاً، ونوفر العلم للأقل تعليماً .... ونخفف عن المعتل .. فمن؟ ومتى؟!

انتم أعضاء هذا الجسد .. وإن لجسدك عليك حقاً. وحق الأردن واجب علينا جميعاً ... ومن هنا .. من منبركم وأمامكم أتعهد أن أقوم بالمزيد ... ولكنني أحتاج مساعدتكم، فأنا قوية بغيري، قوية بكم ...

علينا أن نعمل على أن يضيء نور عطائنا تلك البؤر التي لا يصلها شعاع الأمل. سوياً نستطيع أن نوقف الحوادث المتكررة على شوارعنا، ونوفر كتاباً لكل طفل وطفلة يوسع مداركهم ومخيِلاتهم، ونمكن نساءنا من خلال مشاريع تنهض بهن وبمجتمعاتهن .. للندخل كل بيت وكل زاوية، لنفتح شباكا يسمح لشمس الأردن بالدخول.

ولأنكم ذلك النور، وذلك الأمل، أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني هيئة شباب كلنا الأردن ليفعل دوركم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وتكونوا يد التطوير والإصلاح الذي ينشده الأردن. هذه الرؤية تحتاج إلى المبادرة من الشباب الأردني عموماً وطلبة الجامعات خصوصاً، فتمكين المجتمع يبدأ دائما من مقاعده الدراسية، من مدارسه وكلياته وجامعاته، و المستقبل يبدأ من هناك. ومن هذا المنطلق عملنا في السنوات الماضية على اطلاق العديد من المبادرات التي تركز على التعليم والمعلمين، وبعد أيام ستنطلق مبادرة جديدة .. مبادرة "مدرستي" .. لنجعل التعليم مسؤولية اجتماعية .. في مملكتنا خمسمئة مدرسة في حاجة ماسة للاساسيات العلمية والعملية.

"مدرستي" تقوم على مبدأ الشراكة والمشاركة في تعليم تستحقه اجيال الاردن بتأهيل المدارس لدورها المطلوب، هي إسهام من المدارس الاهلية، والشركات الخاصة، من كل أردني، لتلبية احتياجات المدارس، لتصبح المدرسة صرحاً يستوعب طاقات أطفالنا ويبني شخصياتهم ويرعى مواهبهم. ويتحول المعلم فيها من مدرس الى ملهم ومرشد يوسع مدارك طلابه ويسلحهم بأدوات العصر ولغته.

"مدرستي" هي مدرستكم ... تحتاج سواعدكم وعزيمتكم لترميم جدرانها، وتجميل صفوفها، ومنح طلابها الالهام ليصبحوا قوى فاعلة في المجتمع، أسوة بكم. أتمنى عليكم ان تسخروا ولو جزءا من وقتكم لمساعتنا على تطوير مدارسنا وتوفير البيئة السليمة لاطفالنا، فهي مدارس الاجيال القادمة. أطفالكم انتم بعد سنوات إن شاء الله ..

في المستقبل القريب سنحصد نتائج قراركم بالمساهمة في مشروع "مدرستي" .. هذا المستقبل سيبدأ لحظة أن يقرر كل منكم أن يترك بصمته عليه.

شابة مثلكم قررت أن يكون لها دور في حياة غيرها بالعمل التطوعي وتستشهد دائما بالقصة التي ألهمتها المثابرة: على احد الشواطئ رأى رجل عن بعد صبيا يلتقط أشياء ويلقي بها في البحر. فسار إليه متعجبا ليسأله عما يفعل؟
قال الصبي: أعيد نجوم البحر إلى الماء .. الموج عال وساعة الجزر قاربت على الانتهاء.

فقال الرجل: ولكن يا بني: الشاطئ ممتد لمئات الأميال وعليه ملايين النجوم التي انحسر عنها الماء، لن تستطيع تغيير مصيرها جميعاً وإعادتها إلى البحر؟!

التقط الصبي نجمة من على الرمل ورماها في البحر، وقال للرجل متحدياً: ولكنني غيرت مصير هذه.

الأساتذة والحضور الكرام، شبابنا:

مصير الاردن في يد الاردنيين، فكل منا فاعل وكل منا نجم يضيء حيث يخفت نور الاخر، ولو غير كل منا مصير نجمة واحدة، فسنغمر الوطن ضوءا وشعاعا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.