كلمة الملكة رانيا خلال إطلاق المرحلة الخامسة من "مدرستي" في جامعة العلوم والتكنولوجيا، إربد

07 أيار 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

الأساتذة الكرام،،
الحضور الكريم،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سلام على من علم، ومن تعلم، ومن عمل من أجل العلم.

سلام على الأقحوان والدحنون؛ وهو يزين طريقاً ربيعية خضراء سلكناها قادمين إلى إربد ... إن شاء الله تكون دربكم دايما خضرا؛ ويكون المشوار الذي تبدأه مبادرة مدرستي معكم في إربد مثمراً.

فهذه المحافظة العريقة الحاضنة لنخبة من صروح العلم تخرج أكثر من ثلاثة عشر ألف جامعي سنوياً، بالإضافة إلى خريجي المعاهد والكليات. ويحق لأهل إربد أن يفاخروا بتعليم أبنائهم وبعشقهم للثقافة والقراءة. فقد وجد فريق عمل مدرستي أن أحد أهم مطالب المدارس في إربد هي إنشاء المكتبات للمطالعة والإستزادة من المعرفة. وإن شاء الله سنتعاون نحن وإياكم لتحقيق تلك المطالب النبيلة.

فنأتيكم اليوم مزودين بخبرة الأربعة أعوام الماضية، أربعة مراحل اتسعت خلالها دائرة مشروع بدأناه بفريق من عشرين شخصاً فقط.

نأتي إلى عروس الشمال من الشرق والغرب والجنوب والوسط: ستمائة متطوع، وأكثر من خمسين مؤسسة مجتمع مدني، وأكثر من تسعين داعماً من القطاع الخاص..

جاهة!

فشكراً لكل من آمن بنجاح هذا المشروع وأهميته.. فليس سهلاً أن تؤمن بفكرة لمجرد الثقة.. الثقة بأننا بالعمل الجماعي نستطيع أن ننجز ما لا نستطيع فعله بمجهود فردي.  

فتربية الطفل وتعليمه وبلورة مفاهيمه تتأثر جميعها بمحيطه.. بعائلته، ومعلميه، وأصدقائه، وجيرانه.

فالطفل هو نتاج مجتمعه وبيئته.
إذا كان المجتمع آمناً... أمنوا
وإن كان متعلماً... تعلموا
وإن كان طموحاً... تنافسوا وحققوا ذاتهم ورفعوا اسم وطنهم عالياً.

إن أهم ما نربي عليه أبناءنا هو إعدادهم لأدوارهم ضمن مجتمعهم، أن يعوا أن له عليهم واجبات، كما لهم عليه حقوق... أنهم إن أرادوا أن تسمع أصواتهم؛ عليهم أن يصغوا لغيرهم، وإلا: اختلطت الأصوات، وعلا الضجيج، وتكاثر اللوم.

وهنا يأتي الدور الأهم للمدرسة؛ فهي أول مجتمع يجب أن يتشرب منه الطفل أساسيات المواطنة الفاعلة، فيها يتعلم بأن الحوار هو الوسيلة المثلى للتفاهم، وللتفاوض، ولتحديد الواجبات والحقوق.

ونحن نفاخر دائماً بأن التعليم في الأردن من بين الأفضل في منطقتنا العربية، رغم أنه وللأسف ليس أولوية وطنية... لا بإنفاقنا عليه ولا بتحديثنا لمخرجاته.

فقطاع التعليم الحالي في الأردن لا يعكس طموح شعبه؛ طموحنا في تنمية اقتصادية، وتنمية سياسية.

وعملية إصلاحهما لا يمكن أن تتم دون إصلاح قطاع التعليم.

لقد وضعنا الإصلاح الاقتصادي والسياسي نصب أعيننا، هما الهدف والغاية... لكننا لم نول الوسيلة الاهتمام الكافي ... والوسيلة هي التعليم.

تعليم أبنائنا أنهم مسؤولون عن غدهم، عن خياراتهم، عن أحزابهم، عن نوابهم، عن حقوقهم... والخيار مسؤولية كبيرة، ويتطلب قدراً كبيراً من المعرفة.

والجيل المحصن بالمعرفة والتكنولوجيا الحديثة، والدراية القانونية، والحنكة السياسية، هو القادر على المشاركة السياسية الواعية المسؤولة، هو القادر على الحوار، على المسائلة، على الإتيان بحلول واقعية لمشاكل المجتمع، والتشاور والحوار البناء لحلها.

كما أن للمعرفة والعلم علاقة مباشرة بالتنمية الاقتصادية، فقد أثبتت التجارب العالمية بأن تعليم الطلاب تعليماً نوعياً يساهم في رفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي للدول، وما ينجم عنها من زيادة في معدلات النمو الاقتصادي وتطوير مستوى المعيشة للمواطنين والحد من الفقر، وصولاً  إلى تحقيق التنمية الاقتصادية.

أجريت مؤخراً دراسة وطنية حول متطلبات سوق العمل، شارك فيها ثلاثمائة رب عمل ومدير في الأردن، سئلوا عن مدى رضاهم عن الخريجين الجدد الذين توظفوا لديهم: وأعرب جميعهم عن استيائهم من عدم كفاءة معظم الخريجين في النواحي التالية: 
مهارات الحاسوب، أخلاقيات العمل، القدرة على التواصل والتعبير، المبادرة بالعمل، توظيف الوقت، العمل الجماعي، الابتكار، التحفيز، قيادة فريق عمل، التواصل الموثق، استخدام اللغة الإنجليزية، وإيجاد حلول لتخطي المشاكل في العمل.....

جميعها مهارات يجب أن نسلح بها ثروتنا البشرية التي نفخر بها، لنعدها لسوق العمل.

هناك فجوة كبيرة بين ما نتعلم وما نحتاج لنصل لأعلى انتاجيتنا..

نحتاج صحوة تعليمية، نريد نهضة مهاراتية تصلح تعليمنا، لكي نضمن إصلاحاً فعلياً وتنمية حقيقية، فالتعليم هو أول متطلبات التنمية...

جميعنا نتفق على ضرورة أن نصبح مجتمعاً نام سياسياً واقتصادياً، لكن التنمية ليست قالباً يسقط على الشعوب فتصبح نامية، ولا تعطى ولا تؤخذ.... التنمية تتطلب جهداً مستمراً لتحسين وتمكين وتطوير كل فرد في المجتمع. هي غايتنا جميعاً، فلتكن لجميعنا الوسيلة للوصول إليها.

عشرة بالمائة من مخصصات ميزانية التعليم فقط ننفقها على تحسين نوعيته، فلا تكفي لتوفير أدواته أو تدريب المعلمين، أو تحفيزهم أو صيانة المدارس.

لذلك نثمن كل من عمل لتحسين نوعية التعليم وتمكين المعلمين. كل من تحمل مسؤولية مستقبله، كل من أعطى من وقته وماله وخبرته سواء من خلال المجموعات أو الجمعيات أو الجهود الفردية. وليس فقط من خلال  مشروع مدرستي..

المسؤولية حملها ثقيل، ومن وضعها على أكتافه تنغرس علامات قدميه في الأرض وتبقى... لتذكر بما أنجز وما فعل. يصير جزءاً من الأردن؛ ويعيش ويبقى في ذاكرة أجياله وتاريخه. فحياة المرء من دون مسؤولية، خفيفة،  تطير وتتلاشى مع مرور الأيام، لا أثر لها ولا ذكر.

الشكر الموصول لكل من أدرك أهمية دوره، وسد بعطائه فراغاً واحتياجاً وطنياً، وكل من عمل وسيعمل على أن نحقق تلك الصحوة التعليمية والنهضة المهاراتية، التي تمكن ثروتنا الطبيعية الأثمن، إنساننا الأردني.

يعطيكم العافية، وإن شاء الله سيبقى الأردن بعطائكم منبعاً للخير والعلم.

والله يوفقنا ويزيد الأردن أمناً وترابطاً ونماء... بارك الله فيكم وبوقتكم وجهدكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..