ترجمة لكلمة الملكة رانيا خلال مؤتمر المرأة في الأعمال في العالم العربي في المملكة المتحدة

22 أيار 2002

في البداية، أود أن أتقدم من رئيسة المؤتمر بوافر الشكر على عبارات التقديم الكريمة.  واسمحوا لي أيضا أن أتقدم من السيد أحمد سليمان بجزيل الشكر لدعوته لي لمشاركتكم مؤتمركم هذا.  والشكر لكم جميعا على جهودكم التي ساهمت في انعقاد هذا المؤتمر.  وإنه لشرف كبير لأن تتاح لي هذه الفرصة للمشاركة في هذا الحدث الذي نال الإعجاب والتقدير.

وإنني إذ أنظر حولي في هذه القاعة، أرى نجوماً متميزة من النساء يمثلن قطاعات أساسية في عالم الأعمال من كل أنحاء العالم العربي.  إن عملكن المهني والعام يمكن مجتمعاتنا وشعوبنا على إعادة تصور وصياغة المستقبل من خلال انخراطكن في القيادة العملية والمتينة في المجتمع وعالم الأعمال.

تلقي النجوم ضوءها فتتيح لنا رؤية العالم بصورة جديدة وأكثر وضوحا.  كما أنها تشع طاقة تمكن الأفراد حولها من الازدهار والتقدم.  وتشكل النجوم فيما بينها مجموعات نجمية تجعل من مصادر النور الفردية أنماطا من الإلهام تساعدنا في التطلع إلى الأعلى وتحديد مسارنا.  فلقد وضعتنا كريستين [ماكافرتي] اليوم أمام تحدي التطلع إلى المستقبل.  ولا يلزمنا مجهر لرؤية مستقبل مليء بالفرص.  فعالم الأعمال الدولي من حولنا يعد بنقل ثمار التقنية الجديدة والابتكار إلى البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء.  إذا ما تسلحنا بأنظمة الاتصالات الحديثة والمعرفة المتنامية سنكون قادرات على حل مشاكلنا المجتمعية والصحية والبيئية وغيرها بسرعة أكبر وكفاءة أعلى من أي وقت مضى.

ومن الواضح أن هذا الوعد سيصبح حقيقة عندما يحدث التواصل الحقيقي بين الأفراد.  فالحقيقة هي أن عصرنا ليس عصر "معولِـمين" و"معولـَمين"--أي أنه لا يضعنا في معسكرين منفصلين:  معسكر العاملين النشطاء ومعسكر المتقاعسين المتأثرين بغيرهم.  بل على العكس من ذلك، ففي عصر مثل عصرنا المتميز بالتواصل المتداخل يتطلب النجاح الدائم لأي واحد منا المشاركة الفاعلة منا جميعا.  فليس هناك في مستقبل العالم متسع لشركاء صامتين.  فكل واحدة منا هي بمثابة مديرة ولها حق في اسهم الشركة التي تديرها.

وهذا التواصل يتطلب أن نلتقي من أجل استحداث أنماط جديدة من التفاهم، وتجمعات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل.  ولا تتجلى أهمية ذلك في أي مكان في العالم مثلما تتجلى في منطقتي العالم العربي والغرب الممثلتين هنا.  فإن المستقبل الذي نبنيه معا اليوم سيكون له تأثير كبير في بلداننا وفي جميع أرجاء العالم.  وفي هذا العام لدينا فرصة غير مسبوقة لصياغة ذلك المستقبل.

إننا قادرات على بناء جسور من التفاهم تشق الطريق أمامنا نحو النمو والأمل لجميع شعوبنا، أو أن نغض النظر في الوقت الذي يقوم فيه الآخرون بزرع بذور الجهل والرعب.  إننا قادرات على العمل معا على إحقاق العدالة والأمن للشعوب في الشرق الأوسط.  أو أن ندع الصراع يدمر جيلاً آخر.

إنني واثقة من أننا نمتلك القوة لتحقيق السلام والعدالة.  كما أنني أعتقد بكل وضوح أن على الغرب والعالم العربي أن يعملا معا.  وببساطة ينبغي أن لا نسمح لأي كان بتقسيم شعوبنا إلى "نحن" و"هم".  كما أننا لا نستطيع--عربا وغربا--أن نرضى بالصور النمطية والانطباعات المغلوطة.

إن مثل هذه الاجتماعات تساعد على بناء الحوار الصادق الصريح الذي من شأنه مساعدتنا في تجاوز العناوين للوصول إلى الحقيقة...وفي التصدي لسوء الفهم...وفي الترويج لروح التسامح التي نحتاجها للتقدم.  إن من عاش أو درس أو عمل أو تجول في مجتمع آخر قادر بصورة خاصة على تحسس شخصية ذلك المجتمع وتركيبته.  وتقع المسؤولية علينا جميعا.

إن الكلام وحده لا يكفي.  فعلينا أيضا أن نبين للعالم، من خلال أفعالنا واستجابتنا للأحداث، ما هي قيمنا وآمالنا وما نثمن.  ومن خلال هذا الحوار العميق، فإن بإمكان المشاركات في هذا المؤتمر أن يوصلن للعالم رسالتين قويتين.

الأولى هي حول هوية النساء العربيات، بأنهن:  متنوعات، مبدعات، قادرات على الإنجاز، وجديرات.  فالنساء العربيات لا يتميزن بلباس معين ولا بطريقة تفكير واحدة.  إن ما يجمعنا فعلا هو إسهامنا الهائل في المجتمع من خلال حياتنا المهنية وعائلاتنا وقيمنا الراسخة.

أما الرسالة الثانية فهي حول قدرة النساء العربيات.  فاليوم، في العالم العربي--بل وفي جميع أرجاء العالم--أعدادا متزايدة من النساء العربيات يتبوأن مراكز قيادية.  فهناك نساء عربيات مديرات تنفيذيات في شركات، وموظفات رسميات، وأستاذات جامعيات، كذلك مهندسات.  وقد قامت نساء عربيات بتأسيس وإدارة العديد من المنظمات غير الحكومية التي غيرت حياة الأفراد وأنماط التفكير والسياسات--ليس فقط في سبيل مساعدة النساء بل لمنفعة الأطفال والأسرة والمجتمع بشكل عام.  كما أن النساء العربيات في طليعة الضالعين في فكر جديد في مجالات مثل عالم المال والتمويل العالمي والتقنية.

إن المهارات والنجاحات التي تجلبها النساء إلى هذه الأدوار وغيرها تدعو للفخر.  وتبين لنا صراحة ما يمكن أن نحققه كمجتمعات لو أن كل باب كان مفتوحا.  إننا، بالطبع، نشارك النساء في جميع أنحاء العالم في مواجهة تحدي عدم المساواة بين الجنسين.  وبكل بساطة فإن الإنسانية تصل إلى أقصى درجات عطائها عندما يتمكن الأفراد من الوصول إلى ذروة عطائهم.  وهذا يعني احترام والتواصل الحقيقي حول حقوق المرأة.

تحدثت قبل قليل عن الحاجة لبناء جسور للتفاهم فيما بين الغرب والعالم العربي.  إلا أنه ينبغي علينا أيضا بناء جسور داخل مجتمعاتنا تساعدنا في التوصل إلى تفاهم جديد.  ويجب علينا أن نغير الأنماط الفكرية المحددة بين الرجال والنساء والتي تقيد أحلام المرأة وفرصها...مثلما يجب تغيير الأنماط الفكرية المحددة التي تضيق الآفاق أمام المجتمعات والشعوب.

عندما نتحدث عن تمكين النساء، فإننا عادة ما نتحدث عن رفع سوية تعليمهن.  ولا شك في أن التعليم هو أساسي لإتاحة إمكانيات الحصول على الفرص للمرأة وتحكمها في حياتها.  والحقيقة هي أن البلدان العربية تحقق التقدم في هذا المجال أكثر مما يعترف لهم الآخرون به.  فإن معدلات تسرب البنات من المدارس في العالم العربي أقل من معدلات تسرب الذكور.  كما أن البنات يشكلن ما يقارب نصف مجموع الطلاب الملتحقين بالمدارس الابتدائية، في حين أن تلك النسبة هي أعلى في مستوى الدراسة الثانوية.  ونشهد أيضا تطور مماثل في التعليم العالي، إذ أن أكثر من 40 بالمائة من الملتحقين بالجامعات في الدول العربية هم من الإناث.

هذا هو التقدم الذي ينبغي أن نبني عليه--ليس فقط لما يقدمه للنساء.  فأبحاث كثيرة تشير إلى وجود علاقة إيجابية بين تعليم النساء من جهة، والرفاه الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق بصحة الطفل وتحصيله من جهة أخرى.  ويمكن اختصار ذلك كله في جملة قصيرة:  النساء الممكنات يمكّن المجتمع.

لكن إذا أردنا فعلا تمكين النساء ينبغي أن يكون التعليم مقرونا بايماننا بأنفسنا.  ولتحقيق ذلك تحتاج بناتنا إلى نجوم--نساء يمثلن القدوة وتسعى بناتنا للإقتداء بهن.  فبناتنا--وكذلك أبناؤنا--بحاجة إلى الإقتداء بنساء اكتسبن التقدير جراء ما أسهمن به.  وعلى أبنائنا وبناتنا أن يروا أننا لن نكون قد تخلينا عن قيمنا وثقافتنا عندما نحترم الآخرين والثقافات الأخرى.  وعليهم أن يروا أن تقدير الفرد لتراثه ومسك زمام أمور حياته بنفسه لا يتعارضان، بل إنني مؤمنة بأن هذين الأمرين بالنسبة لإرثنا الحضاري يتماشيان جنبا إلى جنب.

إن أكثر النجوم إشعاعا هي التي تبعث بأكبر كمية من الضوء.  ولدى النساء العربيات أنوار كثيرة يبعثن بها:  خبراتهن حول العالم وعبر الثقافات، بصيرتهن الاستراتيجية، مهاراتهن الإدارية، معرفتهن التكنولوجية، سعة حصيلتهن المعرفية والعلمية، فنهن المميز، وإيمانهن الراسخ بدينهن.  إن إنسانيتكن هي التي تؤهل كل واحدة منكن، وبطريقتها الخاصة، أن توضح للشباب إمكانية التألق كالنجوم.  كما أنها تضعكن في مركز القيادة فيما يتعلق بالمستقبل.  فالحقيقة هي أن الفرص المتاحة للنساء مازالت في حداثة أمرها في معظم بلدان العالم.  إن معرفتكم وأفكاركم بمقدورها أن تلهمنا في سعينا لإيجاد حلول جديدة وأفضل لمشاكلنا المشتركة--إحداث التوازن بين الحياة والعمل، وبناء أسر صحية، وتحقيق تنمية اقتصادية عادلة.

كما أن النجوم الكبار تتوقد بالطاقة--التوهج الداخلي الذي يتضاعف عندما تعمل النساء معا.  إنها الطريقة التي تعمل فيها مجموعات نجمية، كمؤتمركم هذا، على إحداث التغيير--أي تهيئة التوافق للتغلب على العوائق وإيجاد فرص جديدة وتبيان الطريق للنساء الأخريات.

ونيابة عن العديد من النساء اللواتي ساعدتهن نجوم مثلكن، دعوني أشكركم لإشعاعكم المتألق.  ودعوني أشجعكن في التزامكن بالتواصل، وبناء الجسور، ومساعدة الآخرين في الوصول لغاياتهم.  ودعوني أعدكم بأنه بمشيئة الله وبعد جيل واحد من الآن، فإن مجموعة جديدة من النجوم الساطعة ستشهد على أنكن قد أحدثتن وقعا دائما وإلى الأبد.

وشكرا جزيلا.