كلمة الملكة رانيا في ملتقى مهارات المعلمين 2015

07 كانون الأول 2015

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

سعيدة بانضمامي لكم للعام الثاني، وأهلا بكل المعلمين الذين انضموا لنا هذا العام، سواء من الأردن أو الوطن العربي. إنتو أصحاب البيت ... وهذا مؤتمركم ... وأنا اليوم ضيفتكم!

يسعدني دائما أن أكون بحضرة المعلمين المهتمين بتطوير أنفسهم، فما من معلم أقدر على غرس الالتزام والطموح في طلابه من ذلك الذي يسعى إلى التطور والاستزادة من العلم. ويكون بذلك قدوة لطلابه.

أيها المعلمون الأفاضل:

إن إيماني بمحورية دور المعلم لطالما كان متأصلا في أعماقي، فأنتم أهل التربية والتعليم، وأصحاب المهنة التي تنبثق عنها جميع المهن. ومن ذلك الإيمان الراسخ، خرجت الكثير من المبادرات المعنية بتمكين التربويين ... ومنها هذا الملتقى.

ومع ذلك... أعترف.. بأنني حتى هذه المرحلة لم أدرك خطورة وحساسية موقعكم.

فالظروف المعتمة التي يمر بها وطننا العربي اليوم، زادت قناعتي بأن مصير مستقبلنا معتمد عليكم.

وجعلتني أقف وأتساءل:

كيف وصل الحال إلى ما هو عليه؟
كيف تحولت بلداننا العربية إلى حلبات اقتتال؟
كيف تشرد ملايين العرب عن بيوتهم وأوطانهم؟
كيف وصلنا إلى المرحلة الأكثر ضياعا للقيم الإنسانية. المرحلة الأكثر سوادا في تاريخنا العربي؟

وربما السؤال الأكبر والأهم.. ما العوامل التي ولدت الفكر الظلامي المنتشر اليوم؟

كيف دخلت علينا تلك الآفة؟ تلك الأفكار الهدامة التي تجد طريقها إلى العقول ثم تتفشى في المجتمع.. وتأكله كالصدأ؛ كيف نتصدى لأسلحة أشد فتكا من السيوف.. 
أيها الأفاضل... لنضع نظريات المؤامرة جانبا؛ ولنتحمل مسؤولية ما نحن فيه.. فأيادينا التي صنعت المشكلة.. وحدها قادرة على حلها..

حتما...إن الحل لما نعاني منه موجود بيننا، موجود في مقدمة الفصل الدراسي كل صباح...أنتم ...

الأجوبة على امتحانات عصرنا الأصعب ليست في الكتب والنصوص ولا في المنتديات والمؤتمرات. بل فيكم أنتم...
في رسالتكم وفي القيم التي تغرسونها في طلابكم.

ماذا تعلمونهم؟... كيف تعاملونهم؟ ما حجم الآفاق التي تفتحونها أمامهم. ما شكل العدسة التي تصورون لهم من خلالها الدنيا ومن فيها.

فمهمتكم السامية ليست حشو العقول بل بناء الشخصيات.
حربنا ضد الأفكار الهدامة حتما تستدعي الجيوش والعتاد، لكن ساحة المعركة وحتى بعد أكبر انتصار لا توفر سوى الحلول المؤقتة، هي تضمد الجرح فقط... ولا توقف النزيف.

أنتم تعملون على إجهاض أيدولوجيتهم وعدم السماح لها بإبصار النور.

أيها المعلمون الكرام.... أنتم خط الدفاع الأول في حربنا لدحر أعداء الإنسانية.

وكما تسلح البلدان جيوشها، واجب علينا أن نمكنكم بالمهارات وبأحدث وأهم أساليب وتقنيات التعليم المتميز في عصرنا. فلستم بناة الحاضر فحسب، بل المعلم هو من يعطي الأمل ويصنع الفرص، من يزرع في قلوب الأجيال شغف المعرفة والطموح، ومن يرسم في أذهانهم حب الحياة بأزهى ألوانها.

وأسألكم أمرين فقط؛ الأول: هو أن تعملوا جاهدين على تطوير أنفسكم؛ ومهاراتكم؛ ومواكبة متطلبات مجالكم السريعة.

والثاني هو أن تدركوا أهمية مواقعكم وحساسيتها؛ فأنتم المؤتمنون على عقول أبنائنا. ما أعظم تلك المسؤولية وما أعظم تأثيركم في مستقبلنا.

وبإذن الله ستخرجون جيلا من الشباب إلى عالم عربي يريد أن يعيش وأن يتعايش، عالم غير مكبل بالخوف بل منطلق بالأمل، غير مشغول بالكفاح من أجل العيش، بل دافعه الطموح والإنجاز.

إن التزامي بمسؤولية تسليحكم وتجهيزكم هو بحجم الالتزام والتفاني في التعليم الذي أطلبه منكم. فلكل منا دور وعلى كل منا مسؤولية.

و"ملتقى تدريب المعلمين" ما هو إلا جزء من ذلك الالتزام.

أتمنى أن يسفر هذا المؤتمر عن ولادة تحالف من المعلمين العرب. جيش قوي منضبط... ملتزم وحريص على حمل رسالة النور وشعلة أملنا بغد أفضل.

الله يوفقكم وبارك الله فيكم.