ترجمة مقابلة الملكة رانيا مع CNN بيكي اندرسون

06 شباط 2021

بيكي اندرسون: مرحباً وأهلاً بكم جميعاً أينما كنتم في العالم. إنه لمن دواعي سروري أن تكونوا معنا اليوم. أنا بيكي اندرسون أنضم اليكم اليوم من محطة بث سي ان ان الشرق الأوسط في ابو ظبي هنا في الإمارات العربية المتحدة.

ويا له من وقت للقاء...

نعيش نقطة محورية في التاريخ، حيث تلعب جائحة كوفيد-19 دوراً كحافز وصانع لتغيير لا يمكن تصوره في حياتنا اليومية.. بدءاً من كيف نعيش، كيف نعمل، كيف نتواصل اجتماعياً، كيف يحصل أطفالنا على تعليمهم، وإلى كيف يُعاد تشكيل نظامنا العالمي من الناحية الجيو-استراتيجية أمام أعيننا.

التمني لشخص أن يعيش أوقاتاً مثيرة .. يقال أنها كانت لعنة من الصين القديمة. والآن شعار هذه الحقبة الحديثة.

على مدار السنوات العشرين الماضية، كسبت قمة وارويك الاقتصادية سمعة كمنصة رائدة للحوار حول أكثر القضايا الملحة في عصرنا، وفرصة لمناقشة القضايا الحالية والمستقبلية مع قادة عالميين يشكلون عالمنا.

لذلك، فإنه من دواعي سروري اليوم أن أقدم جلالة الملكة رانيا من الأردن، والتي أتشرف بالقول أنني أعرفها لسنوات عديدة، وعلى مدار السنوات كان لي شرف قضاء وقت مع جلالتها والاطلاع مباشرة على مبادراتها الرائدة في التعليم والريادة، والتي تعتبر في صميم التزامها بتحسين حياة جميع الأردنيين، مع تركيز حقيقي على تمكين النساء والأطفال. وهو ما سنتحدث عنه اليوم.

كما تحدثنا أنا والملكة رانيا على مدار السنوات مطولاً عن أهمية التسامح حول العالم وعن جهود جلالتها لتعزيز التفاهم والتسامح بين جميع الأديان والثقافات، مع تركيز خاص على مواجهة الصور النمطية عن العرب والمسلمين. وفي ظل الجائحة التي نعيشها اليوم، جميع هذه المواضيع مهمة وآمل أن نتمكن من مناقشتها اليوم.

حسناً، جلالتك، تسعدني رؤيتك مرة أخرى. كيف حالك؟

الملكة رانيا: أنا بخير بيكي. يسعدني الحديث معك. وشكراً على المقدمة وعلى التقارير الرائعة التي تقومين بها دائماً.

بيكي اندرسون: شكراً. لنبدأ حوارنا.. من الواضح أن كوفيد-19 والتوزيع العادل للمطاعيم هما خلفية لهذا النقاش، ومن أهم المواضيع التي نتحدث عنها اليوم. وأعرف أنك مهتمة بهذا الموضوع. بالطبع الأردن من أحد البلدان القليلة التي تقدم المطاعيم للاجئين وهو أمر جدير بالثناء. نعرف، أن النزعة القومية في توزيع المطاعيم منتشرة. ونعرف أن ذلك سيكلف الكثير من الأرواح، وفيما يتعلق بالاقتصاد العالمي ربما سيكلف الملايين، ربما المليارات إن لم تكن تريليونات حسب اخر التقارير. على الصعيد الاقتصادي وعلى المستوى الإنساني، كيف ترين التوزيع العادل للمطاعيم؟

الملكة رانيا: أعتقد أنه كما قال جلالة الملك عبدالله، المطاعيم هي منفعة عالمية عامة ويجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس. لكن للأسف، هذا ليس هو الحال اليوم. فحتى قبل حصول شركات الأدوية على الضوء الأخضر لإنتاج وبيع المطاعيم، كانت الدول الغنية حجزت غالبية جرعات المطاعيم مسبقاً. وبحسب هيئة مراقبة المطاعيم، التحالف الشعبي للقاحات، طلبت بعض الدول الغنية جرعات من اللقاحات كافية لتطعيم جميع سكانها ثلاث مرات. بينما وعلى النقيض، ستتمكن الدول الفقيرة من تطعيم عُشر سكانها فقط هذا العام في أفضل الأحوال. ولذلك لا أرى سبباً يمنع الدول التي تمتلك فائضاً من المطاعيم من التبرع به للدول الأفقر، وأنا سعيدة لرؤية بعض الدول التي تعهدت بفعل ذلك.

كما أنني سعيدة لتوقيع بعض الدول على التبرع لائتلاف كوفاكس الذي يأمل إيصال أكثر من مليار جرعة للدول منخفضة الدخل مع نهاية العام. أعتقد أنه من الضروري التأكد من أن المساواة في المطاعيم هي أولوية لنا، لأن هنالك سحابة فوقنا جميعاً، ليس فوق الدول الفقيرة فقط. سواء كنت غنياً أو فقيراً، سواء كانت دولة ذات دخل عالي أو محدود، انعدام المساواة تلقي بظلالها علينا جميعاً. وهذا الاختلال ليس فقط فيما يخص كيفية تأثُر الناس، حيث تأثر البعض بصورة أشد من غيرهم، ولكن أيضاً فيما يتعلق بقدرتنا على التعافي. فالدول ذات الدخل المرتفع لديها القدرة على توفير التحفيز الاقتصادي، بينما البلدان ذات الدخل المحدود والأسواق الناشئة ليس لديها الحيز المالي لتوفير السيولة لاقتصاداتها التي ستساعدها على التعافي.

ونتيجة لذلك، نرى أنه إذا كانت الدول غير قادرة على التعافي، حينها سيكون هناك عدم استقرار وشعور بانعدام الأمان بالنسبة لنا جميعاً. وبغض النظر عن ثرائك كفرد أو كدولة، لا يمكن لأي قدر من الثروة أن يحميك من الغضب والعدائية. أشعر أن هناك مشاعر غضب عند البعض بسبب عدم المساواة التي نراها. كشفت هذه الجائحة وعززت شروخاً في نظامنا العالمي، فيما يتعلق بعدم التكافؤ في الدخل، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة، وانعدام العدالة المجتمعية... ولا يجب إضافة عدم المساواة في الصحة على كل ذلك. فمن الضروري أن نسلط الضوء على هذه القضايا. وإذا لم تدفعنا المسؤولية الأخلاقية إلى ذلك، على الأقل يجب أن يكون دافعنا من منطلق تحقيق الصحة العالمية.

نحن جميعاً في سباق ضد جائحة، وليس ضد بعضنا البعض. وليس من الابتذال القول بأنه حتى يصبح الجميع آمنين، لا أحد منا في أمان. إن كان لدى أحد شكوك حول مدى ترابط عالمنا، أعتقد أن هذا المرض والطريقة التي انتشر فيها أثبتت أننا مترابطون جداً، حيث أننا كدول وأفراد لا يمكننا التعافي حتى يصبح الجميع قادرين على التعافي.

بيكي اندرسون: تأثر الأطفال حول العالم، سواء كانوا يعيشون في دولة نامية أو متقدمة، غنية أو فقيرة، بهذه الجائحة. لكن قضية عدم المساواة في التعليم تكمن في صُلب ما ناقشناه أنت وأنا على مدار السنوات، وتفاقم بسبب الأزمة الحالية. لقد ناقشنا، كما قلت، التعليم لسنوات. أريد أن أعرض مقطع قصير نتحدث فيه قبل أكثر من عشر سنوات في عام 2009.

المقطع: هنالك 75 مليون طفل لا يلتحقون بالمدرسة.. 41 مليون منهم فتيات. تلك الفتيات البعيدات عن مقاعد الدراسة خرجن يبحثن عن الماء، يزرعن الحقول، ينسجن السجاد، أو يتزوجن في سن مبكرة. عندما نفكر بالفتيات نفكر بأنهن رقيقات وضعيفات... قد لا يكن الحل لأصعب مشاكل العالم، لكنهن كذلك في الواقع. تعليم فتاة يعطيها احترام الذات، يعطيها الثقة بالذات، ويقلل من الزواج المبكر، وتنجب عدداً أقل من الأطفال، وتتمتع أسرتها بصحة أفضل، وتعمل لبناء مجتمع أكثر ازدهاراً. لذلك، في الحقيقة يمكن أن يكن الفتيات جزءاً من الحل.

كان هذا قبل أكثر من عقد. في الأيام القليلة الماضية، قال الأمين العام للأمم المتحدة أن هذه الجائحة هي فرصة لإعادة تصور التعليم. نظراً للمشاكل القائمة، أتساءل ماذا برأيك يمكن فعله تجاه ضمان المساواة في التعليم، وحصول الجميع على التعليم... مع المبادرات التي ناقشناها في عام 2009، أنت في طليعة بعض أكثر المبادرات الرائدة في هذا المجال، فما رأيك بهذا الموضوع؟

الملكة رانيا: في البداية، أعتقد أن كوفيد-19 أدى إلى أكبر خلل في التعليم في تاريخ البشرية، حيث أثر إغلاق المدارس على حوالي 1,6 مليار متعلم حول العالم. حتى في أفضل الأوقات، لم تكن فرص الحصول على التعليم متكافئة، لكن الفوارق التي نراها اليوم – عبر حدود الدول وحتى داخلها – هائلة. مصير الطفل يتوقف على أي جانب من الفجوة الرقمية يقع – والملايين يقعون على الجانب الخطأ. خلال فترات الإغلاق، قدمت معظم الحكومات، حوالي 70% منها، نوعاً من التعليم الرقمي. لكن بحسب اليونيسف أكثر من 460 مليون طالب مدرسة انقطعوا عن التعليم عن بُعد. وهذا غير مفاجئ علماً أن 40% من سكان العالم ما زالوا غير متصلين بالانترنت. أضف إلى ذلك، الحاجة إلى المعلمين والمدارس المجهزة لآلية التدريس عن بُعد، والبنى التحتية، وتوافر الوقت والمكان داخل المنزل، والنتيجة هي ازدياد مستمر في معيقات التعلم عن بُعد.

بالرغم من أن التعلم عن بُعد كان حبل نجاة للكثيرين من الطلبة حول العالم، لكن بما أنه غير متاح للجميع، يبقى حلاً منقوصاً. وحتى في الدول الغنية، كالمملكة المتحدة على سبيل المثال، الفروق كبيرة بين مستويات الدخل المختلفة. ففي المملكة المتحدة العام الماضي، تغيب الطلبة الفقراء عن المدرسة أكثر من أقرانهم الأغنياء، ما زاد فجوة التعلم بين المجموعتين بحوالي 50%.

إحدى الطرق لتعزيز وبناء قدرة أنظمتنا التعليمية على التكيف مع المتغيرات هي من خلال التوسع في تهجين التعليم. الآن هو الوقت للاستثمار في مزيج من أساليب التعلم عن بُعد والتعليم الوجاهي، وبناء القدرات لتحقيق ذلك. التعلم الالكتروني ليس حلاً مؤقتاً لمشاكل مؤقتة، بل إنه يعزز أنظمتنا التعليمية من خلال تقديم خيارات بديلة. برأيي، إذا تحقق ذلك عالمياً وبشكل صحيح قد يمثل فرصة لتعميم التعليم النوعي عبر مستويات الدخل والظروف والقدرات المختلفة. هذا أمر نحن حقاً بحاجة إليه، وأعتقد أنه مستقبل التعلم.

وكمجتمع عالمي، علينا جعل إغلاق فجوة تمويل التعليم عالمياً أولوية. وتحذر اليونسكو من وصول الفجوة إلى 200 مليار دولار سنوياً. قد يبدو الرقم كبيراً، لكنه يمثل 10% فقط من الانفاق العسكري العالمي السنوي. أعتقد أن عدم بذل جهود لإغلاق تلك الفجوة أمر غير مبرر.

بيكي اندرسون: هذه نقطة مهمة جداً. كنا تحدثنا أيضا عن الفجوة النوعية في التعلم وفروق التعلم بين الأولاد والفتيات. ونعلم أنه يمكن للجائحة أن تؤدي إلى تفاقم تلك الفروقات، ليس فقط في الصفوف لكن أيضاً في العمل. يقدر تقرير جديد لماكنزي إلى أن الفرق الاقتصادي بين الاستمرار في الوضع الراهن وبين تبني نهج استباقي لتعزيز المساواة بين الجنسين نحو 14 تريليون دولار في 2030. وهو يساوي الناتج الإجمالي المحلي للصين، أي رقم ضخم، وذلك سيؤثر على النساء والرجال على حد سواء. كيف ترين عدم المساواة في العمل وأيضاً التحول الجذري في طريقتنا بالعمل في المستقبل؟

الملكة رانيا: قلبت هذه الجائحة كل عالم العمل، لكن بعض الأشياء تبقى ثابتة وبشكل مؤلم: تبقى الحواجز أمام عمل المرأة قائمة وبقوة، واللاتي يعملن لا يحصلن حتى على الدعم الذي تحتجنه. غالباً ما تعمل النساء في القطاعات المتأثرة بالإغلاقات والحظر، وعندما تصبح فرص العمل شحيحة، عادة ما تكون المرأة أول من يتم التخلي عنها. كما أن إغلاقات المدارس والحضانات كانت أزمة حقيقية للكثير من الأمهات العاملات. ففي المملكة المتحدة، واحدة من كل خمس نساء إما أجبرت على ترك العمل بسبب ظروفها أو تم تسريحها. هذا صعب على الأمهات والعائلات، وعلى الاقتصاد العالمي أيضاً كما ذكرتِ.

تحذر دراسة ماكنزي أنه بحلول عام 2030، الفجوة المتنامية بين توظيف الرجال والنساء يمكن أن تعني فرقاً مقداره تريليون دولار في الناتج الإجمالي المحلي العالمي. هذا مبلغ باهظ يخسره العالم. لكن هناك فرصة اليوم لإعادة تصور وإعادة النظر وإعادة تصميم أماكن العمل لتلبي احتياجات النساء والرجال على حد سواء بشكل أفضل. يحتاج أصحاب العمل لاعتماد نماذج عمل مرنة تراعي احتياجات العائلة، وتسمح للآباء والأمهات بالتطور في وظائفهم دون الشعور بأنهم يتخلون عن تحقيق حياة متوازنة أو علاقات عائلية وطيدة. وإحدى أساليب ضمان أخذ احتياجات المرأة بعين الاعتبار، هي بإشراك عدد أكبر من النساء في غرف صنع القرار. سواء كانت مجالس الإدارة أو غرف قرارات السياسات المهمة، وما زال أمامنا مساحة كبيرة للتطور في هذا المجال. الكثير من أهدافنا لم تتحقق فيما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة من ناحية التمثيل والمكافأة في مكان العمل.

عندما يتعلق الأمر بمكان العمل بشكل عام، عطلت هذه الجائحة العديد من جوانب الحياة، لكنها أدت إلى تسارع وتيرة غيرها، مثل مستقبل العمل – مع كل فوائده وسلبياته الممكنة. لست خبيرة، لكنني أعتقد أن طريقة تفكيرنا بطريقة العمل لن تعود إلى ما كانت عليه. تشير الدراسات إلى أن غالبية العاملين المؤهلين يفضلون الآن نظام العمل الذي يمزج بين العمل من المنزل والمكتب. لذلك، أصحاب العمل الذين لا يتبنون تلك المرونة قد لا يتمتعوا بالتنافسية في جذب كفاءات جديدة.

كما أنني أعتقد أن أماكن العمل المرنة أكثر إدماجاً، لأنها تجذب فئات تعاني عادة من معيقات تستبعدها من سوق العمل بسبب ظروفها القاهرة، كالوالدين الوحيدين أو الأشخاص من ذوي الإعاقة أو حتى اللاجئين ذي الكفاءة العالية في الخارج. لكن خيار العمل من المنزل يبقى مربكاً للكثيرين حول العالم، فبحسب البنك الدولي، واحدة من كل ثلاث وظائف في الدول عالية الدخل يمكن أن يتم إنجازها من المنزل، لكن النسبة في الدول منخفضة الدخل هي واحد من كل 26 وظيفة.

ومع زيادة اعتمادنا على الاتمتة، أصبح عاملون مثل أمناء الصناديق، وعمال المصانع وصرافي البنوك والذين لا يستطيعون العمل من المنزل معرضين أكثر لخطر تلاشي وظائفهم – وفي وقت أقرب مما كنا نتوقع. الأتمتة المتسارعة جنباً إلى جنب مع الركود العالمي يخلقان "اضطراباً مزدوجاً". وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، فبحلول عام 2025، أي بعد أربع سنوات، ستقسم الوظائف مناصفة بين الإنسان والأجهزة، ما سيؤدي إلى إلغاء 85 مليون وظيفة. سيمكننا تعويض هذه الوظائف في الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا، لكن ذلك يعني أن علينا التحرك سريعاً لإعادة تأهيل مهارات العاملين والارتقاء بها في العالم لتناسب الوظائف الجديدة. فالجائحة أزالت عنصر رفاهية الوقت. الثورة الصناعية الرابعة قطعت شوطاً كبيراً مع قفزات هائلة في الذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثية وانترنت الاشياء والروبوتات. علينا العمل لضمان أن تخدم هذه التكنولوجيا الجميع بطريقة يكون محورها الإنسان، وعلينا التحرك سريعاً لحماية أضعف العاملين.

بيكي اندرسون: والفقراء الذين غالباً ما يزدادون فقراً. وأعلم أن هذا أمر مهم بالنسبة لك، الفقراء يزدادون فقراً خاصة في الدول النامية، حتى في الأردن. أتساءل إن كنت ترين أزمة أخرى للعولمة، ربما كما لم نرى من قبل، خاصة عندما نرى تزايد الحركات الشعبوية حول العالم. وأتساءل كيف يمكن للقيادة الفعالة أن تعالج ذلك برأيك، وكيف يمكننا تقديم تصور لذلك في ظل الانتقادات القائمة؟

الملكة رانيا: منذ بداية هذه الأزمة، عانى الجميع من أحد أشكال الخسارة على الأقل، سواء كانت خسارة للفرص، أو للشعور بالأمان، أو الأسوأ فقدان أحباء – ولكن الشعور بالخسارة لم يكن متساوياً لدى الجميع. فقد كانت هذه الأزمة مُربكة للبعض، لكن لآخرين كانت كارثية. وكما قيل عن هذه الجائحة، قد نكون جميعاً في وجه العاصفة ذاتها لكننا لسنا في نفس القارب.

على سبيل المثال، بعض الأشخاص يستمتعون بفوائد انتعاش الأسواق العالمية، لكن الكثيرين حول العالم يعانون من جوائح موازية كالجوع والعنف والأمية. وحقيقة، للمرة الأولى منذ 20 عاماً يزداد الفقر المدقع من جديد. لذلك كشفت هذه الأزمة عن شروخ موجودة سابقاً في نظامنا العالمي، حيث عززت بالفعل وأظهرت تصدعات فيما يتعلق بعدم تكافؤ الفرص. وكما ذكرت سابقاً، سواء كان انعدام عدالة اجتماعية أو نوعية أو عرقية، كل هذه القضايا فشلنا في حلها في الماضي. ومرة أخرى هذا يخلق وضعا خطيراً ومزعزعاً للاستقرار لنا جميعاً.

لا يمكننا إهمال هذه المشاكل مجدداً ووضعها جانباً... هذه المشاكل غير قابلة للتحلل، ولن تختفي من تلقاء نفسها. لذلك علينا أن نكون جادين في مناقشة هذه القضايا لأن هناك تباين كبير يحدث في عالمنا، سواء جغرافياً أو بين مستويات الدخل أو الأجيال المختلفة. وفي عالم مترابط ومتشابك، لا يمكنك حماية نفسك من هذا الاحتقان.

كما أود الإشارة أن هذه الفترة أظهرت أيضاً بعضاً من نقاط القوة لدينا كمجتمع دولي. على الرغم من وجود مجال للتطور، أعتقد أن الجهد العالمي لمحاولة احتواء وإيجاد علاج لهذا الفيروس قد تكون أنظم وأفضل استجابة على المستوى العالمي لأي أزمة في التاريخ الإنساني على الإطلاق. على سبيل المثال، تطوير اللقاح كان سيستغرق سنوات لولا التعاون الطبي العالمي، والذي كان مثالاً واضحاً ولا يمكن إنكاره على كيف يمكن لأزمة أن تغذي الابتكار، وكيف عندما نضع السياسات والهويات الوطنية جانباً ونعمل معاً من أجل تحقيق هدف مشترك، يمكننا إنجاز الكثير للإنسانية.

لذلك سيراً للأمام، في عالم ما بعد الجائحة، ما هي القيم التي سنعتمدها للمضي قدماً؟ هل سنحاول السير في الطريق كل على حدة، علماً أننا سنفشل على الأغلب، أم هل سنعمل معاً ونجعل مصلحة الجميع هي هدفنا الجديد، وبالفعل نحاول العمل لتحقيق ذلك؟

أعتقد أن أمامنا فرصة لا تتكرر لمحاولة إعادة تخيل أنظمة اجتماعية اقتصادية جديدة وممارسة قيادة جريئة وذات رؤية، وخلق وضع طبيعي جديد يمنح الفرص للجميع.

أعتقد أننا بحاجة إلى نجم شمال جديد لتوجيه السياسة الاقتصادية، ومقاييس جديدة تتخطى قياس الناتج الاجمالي المحلي بل تنظر إلى المعايير البيئية والاجتماعية. وللقطاع الخاص دور كبير. أعرف أن بعض الشركات تسير في هذا الاتجاه، لكن عليها مأسسة العمل على مواءمة نجاح المؤسسة مع التقدم الاجتماعي. ومرة أخرى نحتاج إلى دمج المعايير المالية مع المعيار غير المالي ذات الصلة، على سبيل المثال، قياس آثار الاحتباس الحراري والعدالة بين الرجل والمرأة، سواء فيما يتعلق بالتمثيل أو المكافئة. كل تلك الأمور مهمة جداً. بغض النظر عن الوضع "الطبيعي" الذي سنعود إليه، أعرف أنه لا يمكننا العودة إلى الوضع الطبيعي القديم ذاته الذي فشل في شمول الكثيرين. لأنه إن علمتنا هذه الأزمة شيئاً، فهو أن قوتنا محدودة بحجم قوة الأضعف بيننا. لذلك أعتقد أنه علينا أن لا نفقد هذه الفرصة لمحاولة تصحيح العديد من الأخطاء في عالمنا، واخر ما نحتاجه الآن هو أن يتعمق هذا التباين، لأنه كما قلت سابقاً ذلك سيزعزع استقرار الجميع.

بيكي اندرسون: الملكة رانيا، تشيرين إلى نقاط مهمة، نود سماع رأيك كيف يمكن أن تكون فرصة لتحقيق المساواة في المستقبل. وفي النهاية أود أن أسألك سؤال، لكن كزوجة وأم محبة وأعلم أنك كذلك، كيف تغيرت حياتك وحياة أسرتك؟

الملكة رانيا: أعتقد أن كل شخص فينا خلال الفترة الأخيرة شعر بالقليل من العزلة والوحدة. فعندما أصبحت حياتنا عن بُعد فجأة، حتى أكثر وسائل التواصل التكنولوجية تقدماً لم تتمكن من حمايتنا من الشعور بالعزلة. وأعرف أن الوحدة أصبحت وباءً موازياً نوعاً ما للكثيرين، ففي المملكة المتحدة، أثرت على حوالي 50% من العاملين عن بُعد، وتقريباً ربع البالغين خلال فترات الإغلاق.

وعندما تتأثر صحتك النفسية، ستتأثر كذلك نظرتك للحياة. حيث بينت دراسات أن هناك رابطاً بين الوحدة والشعبوية. فيميل بعض الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة لرؤية العالم على أنه مكاناً عدائياً، مما قد يجعلهم أهدافاً سهلة للاستغلال من قبل الشعبويين الذين يبحثون عن فرص لتحريض الناس ضد بعضهم البعض.

أعتقد أنه من الطبيعي أن يزيد اعتمادنا على أجهزتنا وهواتفنا الذكية خلال فترات العزلة – لكن الوقت الكبير الذي نقضيه أمام الشاشات قد يكون جزءاً من المشكلة. والشباب هم الأكثر عرضة، حيث يضع الضغط الهائل لمنصات التواصل المتسارعة الشباب أمام خطر التعرض للكراهية والتعصب الكترونياً بشكل أكبر.

أنا لا أقول أنه علينا رفض التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي بشكل كامل، لأنه لا يوجد شيء سيء بالمطلق أو جيد بالمطلق. أعتقد أن الأمر يتعلق بتصرفاتنا، علينا التفكير أكثر بكيفية استخدامنا لهذه الوسائل.. علينا أن لا نكون منضبطين فحسب، بل علينا أن نكون صارمين في جهودنا لتجنب المحتوى السلبي أو المؤذي.

وأعتقد أن هذه الجائحة جعلتنا نلتفت إلى أهمية الاستثمار بالعلاقات الإنسانية الوثيقة، بدلاً من شبكات من "الأصدقاء" و"المتابعين" عن بُعد. وأعتقد أن ذلك كان من الجوانب الإيجابية، أعني أنه بالنسبة للعديد من العائلات، وأنا من بينهم، وجدتها نعمة أن أجد كل أبنائي في مكان واحد، فهم في مراحل مختلفة من حياتهم – في المدرسة، في الجامعة، هناك من يعمل – لذلك للمرة الأولى منذ فترة طويلة، كنا قادرين على الاجتماع في مكان واحد لفترة طويلة وقضاء وقت مميز معاً.

أعتقد أن هذه الجائحة ذكرتنا بضعفنا المشترك، كما أنها أظهرت أننا أقوى وأكثر قدرة على التكيف مما توقعنا. لا أحد فينا هو الشخص ذاته الذي كان في مثل هذا الوقت من العام الماضي – لقد مررنا بصدمة جماعية، وبمرحلة نمو جماعي أيضاً. بالنسبة لي على الأخص، أعطتني فرصة للابتعاد عن الفضاء العام. فقد كنت أعمل ذلك على مدار 21 سنة، لذا قضاء الوقت لفترة في المنزل مع عائلتي، بغض النظر عن كل الضغوطات في الخارج، كان أمراً بمثابة النعمة بالنسبة لي.

بيكي اندرسون: شكراً لوقتك معنا بعيداً عن عائلتك اليوم، كان من دواعي سروري التحدث معك، جلالة الملكة رانيا من الأردن، انه شرف دائما.

الملكة رانيا: يسرني دائماً الحديث معك بيكي.

شكراً وعودة لقمة وارويك الاقتصادية، مبروك مرة أخرى للذكرى ال20 لكم. مني هنا في سي ان ان ابو ظبي شكراً على الانضمام لنا.