كلمة الملكة رانيا في جامعة سابينزا

10 كانون الأول 2015

صباح الخير،،،،

يسعدني أن أعود إلى واحدة من أكثر الدول المفضلة لي وأن أكون بينكم جميعاً هنا في جامعة سابينزا العريقة. بالأخص، في هذه القاعة التاريخية ذات المكانة الكبرى. من المدهش التفكير بأن هذه الروعة والفن الذي نستمتع به اليوم، ألهم -عبر القرون- عدداً من خيرة علماء إيطاليا.

لذلك، كلي امتنان لهذه الشهادة الفخرية، وأشعر بالفخر أن أكون إلى جانب هذه المجموعة من رابطة الخريجين المتميزين. 
شكراً جزيلا، وأثمن ذلك.

المساهمات التي قدمتها رابطة خريجي هذه جامعة، عملت وستظل تعمل على تشكيل التقدم وإثراء المجتمع لأن الحكمة لا تأتي فقط من الذكريات المرتبطة بالمعارف والتجارب السابقة .. ولكن من المسؤولية تجاه المستقبل أيضاً. ماضينا يُلهم مستقبلنا، وهذه الروح ـ المتمثله في شعار جامعتكم المرموقة: "المستقبل مر من هنا"ـ هي أساس تقدم البشرية.

والآن، يحتاج العالم للحكمة الجماعية، نحتاج إلى مؤسسات مثل هذه الجامعة، ونحتاج شباب دينامكيين مثلكم أكثر من أي وقت مضى. لأن ماضينا الذي يُمكّننا ويُرشدنا، يتعرض في بعض المناطق للتدمير. ومستقبلنا والقيم العالمية التي يُبنى عليها يتعرضان للهجوم.

أنا أتحدث، بالطبع، عن تفشي الإرهاب الذي لا دين له، وهدفه الأساسي تدمير العالم المتحضر. وذلك ما رأيناه مؤخراً في كاليفورنيا، وباريس، ولبنان، وتونس ومصر، عائلات ومجتمعات تمزقت، أرواح تقتل أو مصائر تتغير إلى الأبد. دول بأكملها في حالة عدم استقرار واضطراب.

وهم لا يقتلون الالاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء فقط، بل إنهم يدمرون إرثنا الثقافي المشترك. من مدينة تدمر الأثرية مركز التجارة الروماني الذي يرجع الى عام 200 بعد الميلاد، ومسجد الخضر في الموصل الذي يعود للقرن الثاني عشر، وكنيسة مار أحودامة في تكريت والتي تعود للقرن السابع، وغيرها العديد.

هذه الأفعال هي أكثر من هجمات على أعمدة وأحجار، إنها هجمات على إرث حضاري وتعايش إنساني يساوي قروناً من الزمن.. وكله بهدف طمس أغنى وأكثر بقاع الارض تنوعاً ثقافيا. إنهم يستهدفون تاريخنا المشترك.. أساسات حضارتنا .. في الجوهر، ذاكرة الانسانية. إنهم يتوهمون بأنه يمكنهم كتابة حقبة جديدة ـ"بعد داعش"ـ وأن يغسلوا دماغ أجيال المستقبل.

خلال السنتين الماضيتين، أعطتنا تلك المجموعات لمحة عن شكل عالمهم الظلامي.

تكبلنا مشاهد من سوريا والعراق: مجتمعات سُلبت منها الحياة، دُمرت فيها سبل العيش، وضاعت الطفولة فيها، مدارس ومستشفيات هجرت، تعذيب وقتل جماعي.

تكبلنا صور جثث الأطفال وهي تغسل على الشواطئ. ونحن محاصرون بفكرة أنه يمكننا العيش في عالم يموت فيه الناس ساجدين أثناء الصلاة او بالمطاعم، أو في الحفلات.

بقدر ما هي مقلقة ومؤلمة، هذه اللمحة في المستقبل هي بمثابة الهام، فقد جددت تقديرنا لما لدينا.. ولما يهمنا وما يجب أن نحارب من أجله. لذلك يجب أن تكون نقطة تحول للبشرية.

وهنا اود أن أستخدم كلمة "نحن" بقصد، لأن الأمر يعنينا جميعاً. إنه لا يتعلق بالمسلمين مقابل المسيحيين. أو المحافظين مقابل الليبراليين، أو الشرق مقابل الغرب. إنها ليست حرب تخص دولة بحد ذاتها. إنها حرب كل دولة. لأنه ولأول مرة في التاريخ العالم المتحضر أمامه عدو مشترك.

والعدو المشترك يتطلب استجابة شمولية وحازمة. لا استجابة مترددة أو متأخرة.

كم مزيد من الهجمات على شاكلة هجمات باريس.. كم من السيارات اللبنانية المفخخة.. كم من الطيارات الروسية ستنفجر قبل أن نقول "كفى"؟

نحتاج لتحالف عمل، تحالف يمكنه القيام بالمهمة، ونحتاج الى تغيير طريقة تفكيرنا حول الأشياء التي اعتقدنا اننا نعرفها. نحتاج الى الشجاعة من اجل العمل مع أناس شعرنا تجاههم بالريبة. لأنه أحيانا، عندما نكون مجبرين معاً لاتخاذ خطوات غير معتادة مع شركاء غير اعتياديين، عندها فقط نجد طرقاً جديدة للعمل و لحلول راسخة، حيث نجد جميعاً أرضية مشتركة لمنفعة مشتركه.

لذلك، لتكن هذه فرصة للعمل بطريقة غير اعتيادية ولتحالفات جديدة شجاعة بين صداقات منسيّه، وأعداء قدماء، وموارد غير مستثمرة. ولتكن فرصة للقادة السياسيين أن يجعلوا من محاربة الارهاب أولوية ويتوحدوا، وفرصة لرجال الدين أن يتفقو ويتوحدوا. وللشعوب حول العالم أن تدرك ما الذي على المحك وتتوحدوا.

لكننا امام اكثر من مجرد حرب فعلية. علينا القتال على جبهات عديدة. وهزيمة داعش يعتمد على فهم تكتيكهم وطرق تفكيرهم الملتوية. إنهم يشنون حرباً نفسية. وسلاحهم المختار هو الخوف المعدي. انه ما اسماه "بروس شنير" "جريمة ضد العقل" يمكنكم أن تسموه السلاح الاقوى للدمار الشامل. انه يشل مدن ويغلق اعمال، يشل اقتصادات ويوقف النقل العام، والاكثر تدميراً، أنه ينشر بذور الشك والتعصب بين الناس من الثقافات المختلفة... ويهدد التقدم الذي حققناه للعيش معاً في سلام.

لا شك اننا إذا سمحنا للخوف بالسيطرة، سينتصرون. نعم، الخوف قد يكون معدياً. ولكن الشجاعة أيضاً (معدية). 

نحن نواجههم في كل مرة نذهب فيها الى السينما مع الأصدقاء او التسوق في المجمعات التجارية. نواجههم حينما نستمتع بمباراة كرة قدم أو زيارة بازار لعيد الميلاد، اوعندما نصنع الفن أو نؤلف الموسيقى الجميلة، وعندما نريهم اننا لن نخاف.

والطريقة الاخرى التي يوظفونها لاباحة اعمالهم هي ادعاء الاسلام. وهؤلاء الارهابيين لا يمتون للاسلام بصله. لكن كلما أسندوا اعمالهم للاسلام، كلما حرضوا التعصب ضد جميع المسلمين محبي السلام. حتى بالاضافة الى الخوف من الارهابيين نبدأ بالخوف من بعضنا البعض. وفي اللحظة التي نسمح فيها للريبة ان تسيطر، ينتصرون. لذلك دعونا نستمر في معاملة بعضنا البعض باحترام وانفتاح. كما تفعلون اليوم بتكريمكم لسيدة .. عربية .. مسلمة.

لتكون تلك المفارقة الأخيرة. المتطرفون الذين يسعون لتمزيق نسيجنا الاجتماعي وتحويلنا ضد بعضنا البعض، في الحقيقة يقربوننا أكثر لبعضنا البعض.. مع التقدير المتجدد لبعضنا ولكل ما نعتز به.

وأين أفضل من مدينة روما القديمة، المنغمسة في مئات السنين من التاريخ والجمال، لاعادة الالتزام لمستقبلنا المشترك. مدينة حيث المعرفة والعلوم.. الثقافة والابداع .. الفن والهندسة المعمارية.. صمدت وازدهرت منذ قرون. تُقدم روما لنا خطة للامل: معاً يمكننا ضمان ان المستقبل الذي يمر هنا، وكل مكان، هو آمن وجميل لنا جميعاً ولأطفالنا.