كلمة الملكة رانيا في منتدى مسك العالمي

15 تشرين الثاني 2017

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

أصحاب السمو، الحضور الكرام،،

سعيدة بوجودي معكم اليوم، وسماء المملكة مضاءة برؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - ولي العهد. تلك الرؤية الجريئة التي تحمل تقديراً ودعماً للابتكار والعلوم، وفرصاً يطمح لها الشباب السعودي. والشكر الموصول لصاحب السمو على جمع هذه الكفاءات العالية والرياديين من شتى المجالات.

فلم نكن في يوم أكثر حاجة للتواصل وتبادل الخبرات وآفاق الابتكار من اليوم. فعالمنا يعيش حالة من شح الأمل. وكم هي كبيرة فجوة الأمل التي بين هذه القاعة وحيث كنت قبل أسابيع.

زرت مخيماً للروهينجا المسلمين الفارين بحياتهم وأعراضهم في بنغلاديش. تحدثت مع أجساد تبدو جوفاء من الصدمة، ورأيت في عيونهم حفر الموت التي ألقي فيها أبناؤهم؛ والنيران التي أضرمت فيهم.

استباحت الحرب حياتهم كما استباحت حياة الملايين في منطقتنا العربية.

لا أخفي عليكم... شعرت بالسخط على عالم تمتهن فيه الكرامة؛ وتهان فيه الحياة وكأنها لا شيء.

حين استمع إلى الأطفال اللاجئين وغيرهم ممن قست عليهم  الحياة، أرى كيف يجد الصغار لأحلامهم آفاقاً واسعة حتى وإن كانوا في أضيق الأماكن. يشنون بالأحلام حرباً على واقعهم؛ وسلاحهم الوحيد هو الخيال. الأحلام جسرهم للعبور فوق فجوة الأمل، تنقلهم إلى مكان لهم فيه قيمة ومستقبل.

لكن كلما كبروا ضاق الأفق في أعينهم، أغلقه الخوف من العالم ومن المعوقات وقلة الحيلة، فالعقل الذي يملؤه الخوف لا متسع فيه للأحلام.

واقع هؤلاء وغيرهم ممن يحاربون المرض والفقر والجهل والإقصاء في عالمنا العربي لم تغيره التقدمات العلمية ولا التقنية ولم ترفع الابتكارات مأساتهم.

أوليست مفارقة بأن يتضور الناس جوعاً في عصر الوفرة؟ أن نجد ملايين الأطفال خارج المدارس في عصر التعليم المجاني؟ أن نفقد الاتصال بقضايانا الإنسانية الأهم في عصر التواصل، وأن نقصي الاختلاف ونحاربه بدلاً من نسج مجتمعات متعايشة وآمنة؟

كما أتساءل؛ هل نحن جاهزون لتوظيف مكاسب الثورات العلمية والصناعية التي يشهدها العالم؟

كيف سنتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة التي تضرب بكثير من الصناعات التقليدية... ولدينا اليوم من أعلى نسب البطالة في العالم؟

كيف سنواكب التغييرات في أنماط التعليم ونرتقي به في مدارسنا إن كان ثلاثة عشر مليون طفل عربي محرومين من المدارس أصلاً، وأغلبية الباقي يتلقون تعليماً عفا عليه الزمن.

أعتقد أن علينا أن نعيد النظر في دوافعنا لاقتناء التكنولوجيا. فليست الأولوية سباق القـلة إلى القمة بامتلاك آخر صيحاتها؛ بل تكنولوجيا تمد يديها لترفع مجتمعاتنا بأكملها.  

ما نحن بحاجة اليه هو تكنولوجيا لها قلب... وقلبها علينا. تكنولوجيا لا تقاس سعتها وسرعتها بالبت والبايت، بل بقدرتها على ردم الفجوات التي تقف بيننا وبين تحقيق ذاتنا كشعوب. فجوة الأمان؛ وفجوة التعليم؛ وفجوة الأمل.

الحضور الكرام؛

ثلث الشعب العربي متأثر بشكل مباشر بالنزاعات... وملايين العرب لفظتهم أحضان أوطانهم فهربوا بحياتهم وأحلامهم.

ولا يقتصر الشعور بالخوف على بلدان النزاعات… لأن الأمان ليس السلم من الحرب فحسب؛ بل هو السلم من الخوف، وهو الثقة في المستقبل..

كم من عربي ينام ويصحو متمنياً أن تسنح له فرصة خارج وطنه؟ كم عربي يعيش في وطنه ويحلم بوطن آخر، وطن يحتضن أحلام أولاده ويستثمر في عقولهم.

كم من طفل يحلم بمدارس نوعية، كم من شاب أو شابة يحلم بتحقيق ذاته، أن يتعلم ويعمل، وربما أن يسمع رأيه وتكون له إضافة كالنخبة التي أمامي الآن؟

كيف سنتبادل الخبرات ونحن غير قادرين على حوار بعضنا وتقبل اختلافنا... وبتنا فئات ومذاهب وأدياناً وأطيافاً وهناك دائماً "آخر" نحاربه أو نتعالى عليه أو نهاجم اختلافه عنا. إن كان الاختلاف أول ما نراه، سيبقى الأمان آخر ما ننعم به.

أما الأمل... فخلال العشرين سنة الماضية زرت الكثير من الدول وجلست مع الأغنى مادة ومع الأحوج لها، مع أقوى البشر وأكثرهم نفوذاً وأضعف خلق الله وأقلهم حيلة، كلهم... وكلنا في المحصلة وفي عمق تكويننا البشري نسعى لأن تكون لحياتنا قيمة. قيمة نشعرها نحن، وقيمة لحياتنا عند الآخرين.

الحضور الكرام:

لنتبنى من التقنية ما يزيد من قيمتنا الإنسانية ويبقي الأمل حياً في نفوس شبابنا. لأن شبابنا العربي مفخرة، فكثيرة هي الأمثلة التي التقيها لشباب لمعوا بابتكاراتهم وبرزوا في مجالات علمية وأدبية وقد أتوا من أقسى الظروف.

فلنفتح لهم الآفاق ونوفر لهم الفرص ليحققوا ذاتهم وطموحاتنا لهم. لنشعرهم بأن المستقبل ملكهم، ونؤمن لأنفسنا ولأبنائنا أرضاً خصبة نغرس فيها أحلامنا فتثمر.

بارك الله فيكم وفي همتكم. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.