مقابلة الملكة رانيا مع مجلة لها

14 حزيران 2006

مع فاديا فهد
في كل مرة التقي بها الملكة رانيا العبدالله، تجاذبتني صورتان للملكة الأردنية الشابة: الأولى، تطلّ فيها شخصيةً نسائية قياديةً عربية رائدة، تخطّت دورها الوطني والقومي، إلى دور عالمي أكثر شمولية في إنسانيته وعطاءاته، ممهّدة لدور تاريخي يكون له التأثير الأكبر في مستقبل الأجيال المقبلة، خصوصاً النساء منها. والثانية، هي صورة الملكة المتواضعة، الودودة، صاحبة الاستقبال الحارّ، والشخصية الآسرة، سيدة التفاصيل والحوار الذكي والممتع... التي إن التقيتها مرة، لا تنساها أبداً... وما بين الصورتين، أمّ تحمل هموم عائلتها وأطفالها، وزوجة تتقاسم وزوجها الملك عبدالله، المسؤوليات والمهمات "فنحن كوالدين يكمل أحدنا الآخر".

لا أعرف من أين تأتي الملكة رانيا بكلّ تلك الطاقة المحرّكة التي تبثّها فينا نحن النساء، وفي كلّ من حولها، كما في المشاريع التي ترعاها وتطلقها. الغنيّة بالحماسة، تحوّلت مصدر إلهام لجيل من الشباب والشابات في منطقتنا والعالم، تحثهم على الحوار وتَقبّل الآخر، وعلى رسم أحلامهم وطموحاتهم بأنفسهم والعمل بجهد لتحقيقها. وهي المبادئ والتعاليم نفسها التي تزرعها في نفوس أطفالها الأربعة. وكأن التغيير والتطوير هما هاجسها الأكبر. مهمة ملقاة على عاتقها، هي التي لا ترى في لقب ملكة، أكثر من مجرد لقبٍ لمهنة، مثل الطبيب أو المعلم أو المهندس ولا تنفكّ تردّد: "الملكة ليست من أنا، ولكن ما اقوم به وكيف أؤثر بمن حولي".

الطفولة والمرأة كانتا مناسبة هذا الحوار. فقد استضافت الملكة رانيا في الأردن، المؤتمر العالمي للشبكة النسائية العالمية للطفولة، وعلى جدول أعماله، تعليم الفتيات والحدّ من وفيات الأمهات الحوامل والأطفال حديثي الولادة. لكنني اعترف بأن حواراً واحداً غير كافٍ للإضاءة على أسرار شخصية هذه الملكة الاستثنائية. لا بل كلي ثقة، بأنها ستفاجئنا، في حوار مقبل، بمواقف وتحديات ومكامن قوة، لم نعهدها بها من قبل.

استضافة الأردن مؤتمر الشبكة النسائية العالمية للطفولة، تصبّ في خانة اهتمامكم الكبير بقضايا الطفولة. هل هذا الاهتمام نابع من كون الملكة رانيا أماً لأطفال أربعة؟

قضايا الأطفال هي من أقرب المواضيع إلى قلبي. وكما هو معروف، الأطفال هم شباب المستقبل وبناة الغد، لذا علينا أن نعطيهم كل الرعاية للتأكد من نشأتهم بالطريقة الصحيحة. وفي الواقع ان أولادي هم مصدر إلهامي، وشأني في ذلك شأن أيّ أم. فأنا عندما أنظر الى أولادي أرى فيهم أطفال الأردن والعالم.

لقد حقّقتم في الأردن خطوات مهمّة في مواضيع كثيرة متعلقة بالطفولة كمكافحة العنف ضد الأطفال. وقد كان الأردن أول بلد عربي ينشئ داراً لحماية الأطفال المعنَّفين. ماذا عن دورك في حماية الأطفال؟

العنف ضد الأطفال ظاهرة مؤلمة يعاني منها كلّ المجتمعات والدول. وأنا كأم، أتألّم كثيراً لرؤية أطفال حول العالم يعانون الخوف والعنف عموماً، والعنف المنزلي خصوصاً، إذ يفترض بالمنزل أن يكون المكان حيث يشعر الطفل بالأمان والحماية. إن أثر العنف لا يقف عند الجروح والآلام الجسدية، ولكن يتخطاها إلى مشكلات نفسية تستمر، ويكون لها تداعيات على المجتمع بكامله. وأدركنا في الأردن أن بداية حل المشكلة هي في المواجهة وعدم الخجل في طرح مواضيع حساسة تمسّ الأسرة. من هنا انطلقت جهود «مؤسسة نهر الأردن» ومؤسسات أخرى تعمل على حماية الأطفال المعنّفين وإعادة تأهيلهم. وقد قمنا بتأسيس أول دار لحماية الأطفال من الإساءة، هي «دار الأمان» التابعة لـ «مؤسسة نهر الأردن». كذلك أطلقت المؤسسة أخيراً، حملة توعية كبيرة حول هذه القضية، إضافة إلى الخط الساخن للدعم الأسري والذي يمكن الأهل الاتصال عبره لتلقّي الإرشاد اللازم من الاختصاصيين لحلّ مشاكلهم الأسرية وأولادهم من دون اللجوء الى العنف الكلامي أو الجسدي.

كيف يمكن أن نقرأ في مجتمعاتنا المبنيّة على الروابط الأسرية، قول جبران خليل جبران: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أولاد الحياة، والحياة لا تقيم في مساكن الأمس، هل هناك صراع بين الأجيال المختلفة؟

أنا لا اسمّيه صراعاً، ولكنه تغيّر أو تطور مراحل، لأن لكل جيل خصوصياته من حيث التحديات والصعوبات التي تواجهه، ولكل جيل آماله وطموحاته التي تختلف عن الأجيال الأخرى. لذلك اعتقد أن كل جيل يكمّل الجيل السابق... وعلى الصغار الاستفادة من تجارب الكبار ومما يغرسه هؤلاء فيهم، لأن أهم ما نتوارثه هو القيم والأخلاق الحميدة. وعندما نتحدث عن الأولاد، نتحدث عن الشباب، وأكرّر هنا ما قلته سابقا أن الشباب لا تحدده فئة عمرية، بل هو روح العطاء والعمل والإنجاز.

التمييز بين البنت والصبي معشّش في أصول تربيتنا العربية، كيف يمكن تربية أطفال متساوين، بعيداً عن أيّ تمييز؟

التمييز بين البنت والصبي موجود في كلّ الثقافات، الا ان درجاته تختلف بين مجتمع وآخر، وهذا التفاوت يعود لأسباب مختلفة. وأعتقد أن الثقافة العربية وأسلوب التربية في مجتمعاتنا يعزّزان الاستقلالية لدى الاولاد الصبيان أكثر من الفتيات، وهذا يجعلنا نشعر بأن الفتاة بحاجة الى حماية أكثر. ولكن هذا الوضع يتغيّر، وسيتغيّر أكثر مع الوقت. شخصياً أؤمن بأن تعليم الفتيات يعني تعليم العائلة بأسرها. فنحن عندما نعلّم الفتاة نمكّنها أكثر، ونعزّز قدرتها على العمل والاختيار، وهي بدورها تنقل هذه القدرة إلى أبنائها وبناتها. إن للفتيات الحق في امتلاك الأحلام مثلهنّ مثل الأولاد الصبيان.

يعيش أطفال فلسطين ظروفاً مأساوية غير طبيعية، جنباً إلى جنب مع الفقر والموت والحرمان، وفي الوقت نفسه يؤكد المجتمع الدولي على ضرورة تربية أطفال المنطقة على ثقافة السلام والتخلّي عن العنف. ألا تجدون في ذلك طلباً شبه مستحيل، انطلاقاً من أن الطفولة المشبعة بالعنف لا يمكن أن تولّد غير العنف مستقبلاً؟

أن يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف يحيط بها العنف، لا يعني أنهم يحبون أو يؤيدون هذا العنف. ونحن، كدول عربية وشعب عربي، نشعر معهم ونعيش معاناتهم وآلامهم. ونؤمن بأن قيم السلام والمحبة التي نغرسها في أبنائنا اليوم، هي التي ستثمر. وعهدي ان كل أم وأب يريدان الأفضل دائماً لأطفالهما، لذا علينا أن نربّي أبناءنا على المحبة والسلام، ونعلمهم الحوار. وأعتقد أن دوراً كبيراً على القادة أن يقوموا به في هذا المجال، سواء كانوا قادة سياسيين أو رجال دين أو مسؤولين في المجتمع المدني. فالتوصّل الى حلّ سلمي للقضية الفلسطينية هو الطريق لتحقيق الأمن في المنطقة والعالم.

ماذا عن الملك، هل يتسّع له الوقت للجلوس إلى أطفالكما؟

كما تعلمين، برنامج عمل جلالة الملك مكثّف وطويل، لكنه رغم ذلك، يحرص على ترتيب أوقات خاصة يتواجد فيها في المنزل ويقضيها مع أطفالنا. وهذه هي أوقات الراحة الوحيدة التي يتمتّع بها. فترينه يلعب كرة القدم مع ابننا البكر حسين، ويقضي أوقاتاً للعب مع إيمان وسلمى ويداعب طفلنا الصغير هاشم. وهو يجد في ذلك الكثير من السعادة، بينما أنا التي تُذكِّر دوماً بـ «تناولوا الطعام» أو «حان وقت النوم»... يناسبني تقسيم المهمات الوالدية هذه، فجلالة الملك وأنا يكمل أحدنا الآخر.

يقولون دائماً: فلانة «تعيش كملكة»... هل حياة الملكة تعني الراحة والرفاهية؟ بوصفكم عشتم الوضع قبل وبعد، كيف وجدتم الحياة كملكة؟

أحاول دائماً أن أكون واقعية. فبالنسبة ليّ لقب الملكة هو مجرّد لقب لمهنة مثل الطبيب أو المعلم أو المهندس. ودائماً أقول ان «الملكة» ليست من أنا، ولكن ما اقوم به وكيف أؤثر بمن حولي.

كانت هناك فترة وجيزة جداً بين كونك زوجة لوليّ العهد ثم ملكة. هل رسمتم خططاً مسبقة في تلك الفترة الوجيزة؟ كم تَحقّق من أحلام الملكة رانيا للأردن الذي تتمناه؟

زوجي الملك عبدالله وأنا لم نتوقع في يوم من الأيام أن نكون ملكاً وملكة للأردن. وأذكر انه يوم جاء زوجي لإخباري بأننا قد نصبح ملكاً وملكة، شعرت بالرهبة، وراودتني تساؤلات حول كيف ستتأثر حياتي وحياة أبنائي.

أما في ما يتعلّق بالأردن، فأحلامنا طريق طويل نسلكه والشعب الأردني يداً بيد، حتى تحقيق الأردن الذي نحلم به جميعاً.

قمت بزيارة الى تركيا والهند، وقمت في الولايات المتحدة بقراءة رسالة حمّلتكِ إياها مجموعة من الشباب العربي إلى الشباب الأميركي. أيّ دور للملكة رانيا في حوار الحضارات؟

يعتقد البعض بأن صراعاً قائماً بين الثقافات المختلفة، لكن الصراع برأيي هو صراع بين فكرين متناقضين: الأول يؤمن بعقيدة الحياة والأمل، والثاني يؤمن بعقيدة القتل. إنه صراع بين مجموعة صغيرة من المتطرفين والاغلبية المعتدلة في العالم. ولذلك على المجتمع العالمي أن يتضامن ويتعاون من اجل الوقوف في وجه هذا التفكير وهذه الايديولوجية التي تقوم على أساس العنف والكراهية، ومواجهتها. وهذا ما علينا زرعه في الشباب والأطفال. خلال لقاءاتي مع الشباب في أنحاء العالم المختلفة، ألاحظ مدى التشابه بيننا. ولذلك نحن نؤكد على أهمية الحوار على أساس التشابه، وإنسانيتنا المشتركة. ودورنا كعرب أن نتواصل مع العالم ونتحدث عن أنفسنا، لأن هذا الإرهاب يطالنا نحن أيضاً كما فعلت التفجيرات التي استهدفت أبرياء في فنادق عمّان، أو التفجيرات في منتجع ذهب (مصر) وغيرها. ونحن في الأردن نعمل على إظهار الصورة الحقيقية للإسلام للعالم بأسره، الإسلام دين التسامح واحترام حياة الإنسان والعدالة والسلام. وقد قمنا بإطلاق رسالة عمّان إيماناً منا بأهمية نقل أفكارنا للعالم.

استضافت الأردن أخيراً «المؤتمر العالمي للشبكة النسائية العالمية للطفولة»، ماذا تأملون أن يثمر هذا المؤتمر؟

المؤتمر الذي استضفناه في البحر الميت قام باطلاق الشبكة النسائية العالمية للطفولة والتي مهمتها تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المرأة والطفل عالمياً، والعمل على إيجاد نتائج ملموسة في تلك المجالات. وقد ركز المؤتمر على قضيتين أساسيتين، هما تعليم الفتيات، ووفيات الأمهات الحوامل وحديثي الولادة، وحث القيادات النسائية العالمية على العمل لتسخير مواردها وخبراتها الشخصية والمهنية في هذا المجال. وستعمل الشبكة، مستقبلاً، على بناء الجسور بين المدافعين عن قضايا الطفولة والمرأة وبين القياديين في المجالات كافة، لتكون الصوت الشجاع المنادي بقضايا الطفولة والمرأة حول العالم.

ما الذي دفعكم لإقامة هذا المؤتمر؟

لأنني أؤمن انه يمكن النساء أن يكنّ فاعلات، ويمكنهن لعب دور مهم في إحداث تغيير حول العالم، والقضايا التي طرحت في هذا المؤتمر تندرج تحت الأهداف الألفية للتنمية. وأثبتت الدراسات أنه عندما تتاح الفرصة أمام الفتاة للحصول على التعليم، فستكون في موقع أفضل للحفاظ على صحتها وصحة أطفالها مستقبلاً. وتحسّن ظروف النساء يساهم في تحسين ظروف المجتمع بأسره. وهنا تكمن أهمية هذه الشبكة التي تضمّ نساء يملكن خبرة واسعة ومعرفة، بإمكانها إحداث فرق في حياة النساء والأطفال. هنالك الكثير من قصص النجاح التي يجب أن نستخلص منها الحلول وتطبيقها في حل مشاكل أخرى. وعلينا التركيز على أهداف واضحة وقابلة للتحقيق، بالإضافة إلى الالتزام السياسي ودعم الجمعيات الغير حكومية للقيام بدور اكبر.

وفي الأردن نفخر أننا أحرزنا تقدماً في هذين المجالين، إذ بلغت نسبة الفتيات الملتحقات بالمدرسة 99 في المئة من اجمالي عدد الفتيات الأردنيات، ونسبة المتعلمات في الأردن هي 86 في المئة من مجمل عدد النساء. وانخفضت نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة من 34 إلى 22 لكل ألف ولادة بين عامي 1999 و 2002.