مقابلة الملكة رانيا مع مجلة سيدتي

30 حزيران 2007

حوار مع محمد الحارثي و هاديا سعيد

كيف تعبر الملكة رانيا عما نعيشه من أعمال الإرهاب في العالم عموما إضافة إلى قضية الحجاب في الغرب؟

للأسف نرى اليوم سوء فهم واضحاً بين الشرق والغرب. ونتيجة لغياب الحوار وبخاصة عدم فهم الطرف الآخر، أصبح يسود في العالم ثقافة الخوف وعدم الثقة بالطرف الآخر. لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يتحد لإيجاد حوار فاعل ولوضع الحلول المناسبة وتطبيقها ولمواجهة التحديات التي نعيشها اليوم، لأنه كلما كثرت الخلافات بين المجتمعات ازدادت الفرقة وأصبح التحدي لتعزيز الانسجام الاجتماعي اكبر. ونحن جميعا نريد لأبنائنا أن يعيشوا في عالم يسود فيه الفهم المتبادل والسلام بدلا من الخلاف والنزاع.

وللأسف نتيجة عدم وجود الفهم والحوار بين الشرق والغرب أصبح يُنظر إلى الحجاب كقضية سياسية، ونرى الكثيرين يحكمون على المرأة المسلمة على أساس صورة نمطية غير صحيحة. وهذا أمر في منتهى الخطورة لأنه من الخطأ تقييم الشخص من مظهره، ولكن يجب النظر إلى طريقة تفكيره واحترام وجهات نظره. وأنا دائما أقول انه يجب ألا يُحكم على المرأة بما ترتديه على رأسها بل بما تحمله في رأسها من أفكار.

رغم كل هذا، نحن في «سيدتي» من فئة المتفائلين. هل الملكة رانيا متفائلة بالمرأة مثلاً؟ وهل يمكننا المراهنة عليها لإحداث تغيير نوعي وحقيقي في مسار العنف في العالم؟

نعم أنا متفائلة جدا بالمرأة، والعربية بالأخص، وإيماني كبير بقدرتها على القيام بدور قيادي في تعزيز روح التقبل والفهم المتبادل. فقد بينت الدراسات أن المرأة تميل إلى تعزيز الحوار وضمان استمراريته وتشجيع الآخرين على المشاركة به. وأنا أرى قيادات نسائية في مجالات مختلفة يفتحن الباب أمام التواصل مع نساء في مناطق أخرى من العالم، لتبادل الخبرات والتجارب ولبناء شراكات جديدة وقوية. وأقول إن النساء صانعات السلام. فالمرأة العربية مثلا على الرغم من التحديات التي تواجهها، خاصة في ظل النزاعات التي تعيشها في المنطقة، استطاعت أن تواجه وتصمد (كالمرأة الفلسطينية والعراقية واللبنانية وغيرها). ولا ننسى دور المرأة الكبير في التأثير على أبنائها لتزرع فيهم قيم التسامح والاحترام.

في العمل الخيري والإنساني..أستمد الطاقة من أبنائي ومن دعم زوجي وتشجيعه.

كيف تتحول نشاطات الملكة رانيا في مجال المرأة والأطفال والثقافة إلى مؤسسات قائمة بذاتها وفعالة في المجتمع؟

أنا لا اعتبرها نشاطات خاصة بي، بل هي عمل وجهد المجتمع المحلي وأنا دوري في منحهم الدعم. خاصة وأن هذه النشاطات في الأساس تعتمد على أولويات المجتمعات المحلية وتتم حسب خصوصية كل منطقة، وبالطبع الأهالي هم الذين يحددون هذه الأولويات لأنهم الأقدر على ذلك. ونحاول أن نقوم بدمج مشاريعهم وأفكارهم في مؤسسات قائمة، وعند الحاجة نعمل معا لإنشاء مؤسسات جديدة يكون أهالي المجتمع المحلي المحرك الأول والأساس في عملها بما يضمن الاستمرارية والعمل الجاد.

وفي الحقيقة مؤسسات المجتمع المدني ومنها مؤسسة نهر الأردن تلعب دوراً كبيراً في إحداث التغيير لحياة الكثيرين في المناطق التي قمت وأقوم بزيارتها، وذلك من خلال تدريب النساء، وحماية الأطفال، وتدريب الأهالي على طرق التعامل مع أبنائهم وبناتهم وتمكين الأسر. فمثلا أقامت المؤسسة مشاريع مدرة للدخل، مثل برنامج بني حميدة الذي استطاع تشغيل مئات النساء في الريف وضمن لهن دخلاً مسانداً.

لحظة أثناء تجوال أو زيارة منكوبين لا تنسى؟

للأسف المواقف كثيرة، ولا استطيع نسيانها. ولكن أكثر الصور التي ما زالت عالقة في ذهني، خلال زيارة المنكوبين والمصابين في تفجيرات عمان هي للأمهات اللواتي فقدن أبناءهن وبناتهن، وللأسر التي فقدت أحبابها. وأفكر كثيرا بالأهالي وبالمصابين الذين ما زالوا حتى الآن يعانون من تلك المأساة.

كيف تنظر الملكة الشابة إلى أمهاتنا وجداتنا؟

هن العنصر الأساسي في تشكيل شخصياتنا، وعطاؤهن مستمر ولا يتوقف في مرحلة عمرية معينة، ودائما يمددننا بالخبرة والعزيمة، ولا ننسى هنا تعاليم الإسلام في احترام الأم والكبار وتقديرهم كون ذلك نابعاً من أهمية صلة الأرحام والتواصل والتراحم بين أفراد الأسرة.

أين تضعين المرأة الأردنية؟

استطاعت المرأة الأردنية الوصول إلى مناصب متقدمة، واستطاعت تحقيق الكثير لنفسها ولعائلتها ولبلدها. وذلك نتيجة إيماننا في الأردن بأهمية مشاركة المرأة ومدى تأثيرها على عملية التنمية والتطوير، ووعينا بأن عدم مشاركتها خسارة ليست فقط للمرأة ولكن للمجتمع بأكمله.

والمرأة الأردنية اليوم تشارك في جميع مجالات الحياة من مؤسسات القطاع العام المختلفة إلى النساء الرائدات في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. ودور المرأة في التنمية لا يقتصر فقط على المشاركة في سوق العمل، ولكن تربية الأم لأبنائها، وتعليمهم وتعزيز قدراتهم يعتبر إنجازاً ومساهمة في التنمية تتناسب مع متطلبات هذا العصر وفي الوقت نفسه تتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا.

هناك «ثورة» في اقتحام المرأة العربية ميدان الأعمال والاستثمارات (خاصة في الخليج) هل ترين في هذا تحولاً ايجابياً أم هو على حساب وجودها في ميادين أخرى أكثر تأثيرا على التحولات والنمو الاجتماعي؟

أنا أؤمن بأن المرأة إذا كانت قادرة ومُمَكَنة فهي تستطيع العمل في أي مجال. والحقيقة المرأة الخليجية حققت نجاحات كبيرة، واليوم نسمع عن نساء خليجيات رائدات في عدة مجالات. وكنت قد قرأت عن الندوة التي أقامتها مجلتكم عن المرأة السعودية والاستثمار، وشعرت بالفخر من العمل الذي قامت به السيدات وكيفية مواجهتهن للتحديات.

ملايين من قارئاتنا يتقن إلى إطلالة على الحياة العائلية للملكة رانيا التي يعتبرنها نموذجا وقدوة، فهل يمكننا أن نصف لهن جزءاً منها؟

حياتي مثل حياة أي أم عاملة تنقسم بين الاهتمام بعائلتي ورعايتها وعملي. فأنا اعتني بأبنائي واحرص على تحقيق التوازن بين العمل والواجبات الأسرية، وأساعد أبنائي في الدراسة وأشاركهم اللعب. ومن المهم بالنسبة لي أن يعيشوا حياة طبيعية، وان يكونوا علاقات قوية مع الناس ويشعروا بهم وبهمومهم وبآمالهم.

ماذا يعني لك السفر؟

في الزيارات التي أقوم بها خارج الأردن أهدف إلى الاطلاع على تجارب وخبرات الدول للاستفادة منها في الأردن. إضافة إلى تعريف العالم بالأردن والعالم العربي وبما أنجزناه في المجالات المختلفة، لوضعه على خارطة العالم سياحيا واستثماريا. إضافة إلى اطلاعهم على الجانب الذي لا يعرفونه عن العالم العربي والشرق الأوسط.

كما انه خلال زياراتي أقوم بعرض قصص نجاح لسيدات أردنيات وعربيات وأبين لهم كيف أعطى الإسلام المرأة حقوقها، وان المرأة في الوطن العربي وصلت إلى مراكز مرموقة فلدينا المرأة القاضية والمهندسة والطبيبة والكثير غيرها. فالسفر يعني لي المعرفة والتواصل والاطلاع على تجارب الآخرين، واطلاع الآخرين على ماهيتنا وما حققناه.

وفي السفرات التي تحمل الطابع الإنساني، مثل زيارة المناطق المنكوبة يكون هدفي إيصال صوت المنكوبين للعالم حتى يتحرك الجميع لمساعدتهم.

هل يمكن لملكة أن تحلم؟ وبماذا؟

كل إنسان يحلم، ولولا الحلم لما أنجزنا شيئاً. بالطبع أنا احلم،... احلم بمستقبل أفضل لأطفالنا، احلم بظروف أحسن في المنطقة للعيش بأمان وسلام وتحقيق معدلات رفاه اقتصادية وفرص عمل للشباب وتحسين مستويات المعيشة. أتمنى أن يعيش أبنائي وأطفال الأردن والعالم في أوضاع تجعلهم ينظرون إلينا نظرة إعجاب وافتخار، بأننا أورثناهم عالما قائما على التسامح يسود فيه السلام والأمان.

أكثر من نصف التعداد السكاني للبلاد العربية عموما هم من الجيل الشاب، ماذا تقول الملكة رانيا للمراهقين العرب نصيحة وتحذيراً؟

في زياراتي داخل وخارج الأردن، اتفاءل من حجم الطاقة والطموح التي يملكها الشباب، وإطلاقهم لمبادرات متنوعة ومبتكرة وهذا يظهر مدى تأثيرهم ليس فقط على مستقبلهم ولكن على مستقبلنا جميعا. أقول لكل شاب وشابة؛ إيماننا بكم كبير، فأنتم تمثلون قطاعا رابعا في المجتمع وترسمون مستقبلنا جميعا. استثمروا طاقاتكم بما يفيدكم ويفيد مجتمعاتكم، وتجاوزوا التحديات التي تواجهكم وكونوا أقوى منها.

ماذا تذكرين من دراستك؟

زملاء الدراسة ... السهر طوال الليل مع الكتب ... مراجعة آخر دقيقة ... التوتر من الامتحانات!!

ولا أنسى أساتذتي الذين أثروا بي كثيرا، ولعبوا دوراً كبيراً في رسم مستقبلي الدراسي الذي أردته. وهذا ما جعلنا أنا وجلالة الملك نطلق جائزة خاصة للتميز التربوي، والتي جاءت لتكريم المعلمين المتميزين.