كلمة الملكة رانيا في المؤتمر الاستثنائي لقمة المرأة العربية في جمهورية مصر العربية

11 تشرين الثاني 2001

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدة الفاضلة سوزان مبارك، رئيس المجلس القومي للمرأة، رئيسة المؤتمر،

صاحبات السمو والسيادة الفاضلات، قرينات الرؤساء العرب ورئيسات الوفود،

الحضور الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أتوجه بداية، بالشكر إلى رئيسة المؤتمر السيدة الفاضلة سوزان مبارك، لجهودها المتميزة في العمل من أجل قضايا المرأة العربية، وإلى جامعة الدول العربية، والمجلس القومي للمرأة، على جهودهم لإعداد هذه القمة.

نلتقي اليوم بمناسبة عام المرأة العربية، ويكتسب لقاؤنا أهمية إضافية كونه يعقد في هذا الظرف العالمي الدقيق، والذي يمثل تحديا إضافيا لنا كعرب ومسلمين... ظرف فرضته أحداث الحادي عشر من أيلول وما نجم عنها من تغيير يجعل المرأة العربية مطالبة اليوم -- كعادتها -- بالوقوف والتصدي للانعكاسات السياسية والاقتصادية لما يحدث على منطقتنا، فالمرأة العربية تصدت بفعالية لآثار التخلف والحروب والقهر الاجتماعي مستندة إلى إمكانياتها وطاقاتها، ومسلحة بتاريخ مجيد، وشريعة سمحة مكنتها من حقوقها وأكدت واجباتها.

كلنا نعرف مثل هؤلاء السيدات الفاعلات في مجتمعاتنا... سيدات اخترن طريقا شجاعا -- طريقا غير تقليدي -- لمواجهة التحديات، فغادرن عقلية الضحية إلى فضاء العمل الخلاق والمبادر.  هذا النوع من التفكير هو ما نحتاج إلى المزيد منه في منطقتنا اليوم، إذا أردنا أن ننجح في التصدي لما يهدد مجتمعاتنا وهويتنا الحضارية والثقافية.  

نحن بحاجة إلى سيدات مثل فوقية رزق، وهي سيدة أردنية فقدت زوجها ولم تكن تجاوزت الثلاثين من عمرها، وتركت دون مصدر رزق وبمستوى تعليم متوسط مع أولاد ستة أكبرهم في الثامنة من العمر.  لكن فوقية لم تستسلم... بل بادرت، واثقة من قدرتها على تجاوز محنتها إلى رفع مستواها التعليمي والبحث عن مصدر رزق لتأمين احتياجات عائلتها.  فعمدت إلى تلقي دورات تعليمية في مجالات مختلفة، وأخذت على عاتقها إقناع صندوق إقراض المرأة بتقديم قرض لتمويل مشروعها الصغير لبيع الألبان والأجبان، وتمكنت من الحصول على القرض الأولي.  وكما قالت "لا شيء يأتي بسهولة"،  فبالمثابرة، والعمل الجاد، حققت فوقية نجاحا ملفتا أهلها للحصول على قروض أكبر وسعت بها مشروعها.

هذه قصة التصميم التي قدمتها هذه السيدة، والتي توجتها قبل أيام بتخريج ابنها البكر -- هاني -- من معهد التدريب المهني.  وهذا مثل من الواقع على الإرادة التي استطاعت أن تهزم المصاعب... إرادة مثل إرادة سيدة تعرفونها جميعا، إنها آمال، والدة الشهيد محمد الدرة.  هذه المرأة التي تابعت مع العالم كله واحدة من أقسى صور العنف، وهي ترى ولدها يستشهد بين يدي والده، فاختارت أن تحول مصابها من مأساة شخصية إلى رسالة توجهها إلى العالم كله.  اختارت آمال الطريق الذي سار عليه قادة مثل منديلا، ومارتن لوثر كنغ، وغاندي... فمن على شاشة التلفزيون الأردني لم تتحدث آمال عن الانتقام أو الثأر بل تحدثت عن محمد، ابنها الذي "لا يعرف الحقد ... ولا يعرف شيئا غير الحب"، تحدثت عن التسامح.  لقد اختارت أنبل الطرق وأكثرها قوة كي لا تهدر حياة أخرى كحياة طفلها.  فدعونا كنساء عربيات نلتزم بذل كل جهد لكي يعم السلام، ليجد الأطفال -- رفاق محمد -- عالما أكثر أمانا يعيشون فيه.

إن مستقبل المرأة العربية يرتكز على مبادرات شجاعة كتلك التي اختارتها آمال وفوقية... مبادرات تتصدى للحدث وتتفاعل معه، بدل أن تستسلم له.  لكن لقاءنا اليوم ليس فرصة للحديث عن قصص النجاح وحسب، بل هو فرصة غير مسبوقة لنعيد رسم صورة  المستقبل... مستقبل نكون فيه المبادرين إلى العمل الفعال من أجل قضايانا... مستقبل يكون فيه الحوار واستخدام قنوات الاتصال والتقنيات التي يتيحها العالم وسيلتنا لإبراز الوجه الحقيقي لحضارتنا... حضارة التسامح والرحمة والتعاطف.

واليوم نواجه كعرب ومسلمين حملة تشويه لتاريخنا وحضارتنا، من خلال أولئك الذين يدعون تمثيل الإسلام ويقدمون صورة منفرة عنه، ومن الجانب الآخر أولئك الذين يحاولون فهم أسباب ما حدث في الحادي عشر من أيلول فيتصدون لتحليل الحضارة العربية الإسلامية دون معرفة كافية بأسس هذه الحضارة.

أيها الحضور الكرام،

لا يمكننا الركون إلى عدالة قضايانا، لنعتقد بأن العالم يدرك ما نريد.  فعلينا العمل على إيصال الرسالة إلى العالم بلغة قوية واثقة... رسالة تؤكد حق أطفال فلسطين بالحصول على هوية ووطن لا يكونون فيه عرضة للعنف والتهديد ليبنوا مستقبلا زاهرا وواعدا... وحق أطفال العراق بحياة طبيعية ومستقبل مزدهر... وحق أطفال أفغانستان بوطن مستقر لا تمزقه الصراعات، يكونون فيه مادة لمستقبل مشرق.

إن العدالة كل لا يتجزأ، وهي ليست حق لأمة دون أخرى، لذلك فإن الاستمرار في إغفال حقنا بحلول عادلة لقضايانا العربية – وعلى رأسها فلسطين والعراق – لن ينهي حالة عدم الاستقرار التي تسود منطقتنا وبالتالي فإن المادة الأولية للعنف والإرهاب لن تزول، ولن يتمكن العالم من العيش بسلام واستقرار.

أيها الحضور الكرام،

إننا اليوم مطالبون أكثر من أي يوم مضى بالانخراط معا في العمل -- مسؤولين ومواطنين -- وهذا لن يتم إلا بدفع عجلة الديمقراطية إلى الأمام في مجتمعاتنا، مما يتيح المجال للمرأة للعب دور سياسي واقتصادي واجتماعي أكبر.  كما فعلت فوقية وآمال والعديد من النساء العربيات في كفاحهن... اللواتي عملن بجد وشجاعة من أجل مستقبل أفضل، يجب أن نفعل.

دعونا نعمل جميعا لنتوج الجهد الذي بذل لعقد هذه القمة، وللإرتقاء إلى مستوى طموح مواطنينا... دعونا نتكاتف معا ونضع الخطط القابلة للتنفيذ لتكون الأساس الذي ننطلق منه.  فهذه هي فرصتنا لجعل غدنا مشرقا، لجيلنا وللأجيال القادمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،