كلمة الملكة رانيا خلال منتدى المرأة العالمي

دبي - الإمارات العربية المتحدة

23 شباط 2016

أصحاب السمو، الحضور الكريم،،،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

بحمد الله أبدأ وبشكره على نعمه؛ وبالدعاء بأن يعم الاستقرار والأمان جميع الدول العربية.

سعيدة بوجودي معكم. شكرا لسمو الشيخة - منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم - على هذه المنصة الدولية المعنية بالمرأة والمجتمع.

ما من مكان أنسب من دولة الإمارات لإلهام المشاركين على الإبتكار.

فإمارة دبي كما الإبتكارات.. بدأت حين تخيل-  الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم- واحة إعمار وتنمية؛ تنافس عالميا.

نظر إلى الصحراء فرأى دبي.

واستطاعت دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة تحقيق مكاسب كبيرة للمرأة. ولأم الإمارات-سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك- حفظها الله - دور رئيسي في دفع نساء بلدها ليبدعن. توقعت منهن العلا ولم تضع أمامهن الحدود.

وفي أوطاننا العربية نماذج بارزة لنساء حققن درجات عالية من العلم والكفاءة، نساء دخلن المعترك السياسي، خبيرات اقتصاد وعلوم، قادة فكر وفن.

لم تحدهن التوقعات، فهي تحيط بالمرأة كالشرنقة، تمنعها عن رؤية ما يمكن لها أن تكون! تمنعها عن التطور فتبقى حبيسة مرحلتها!

وتوقعات المجتمع من المرأة ما هي إلا انعكاس لمدى إيمانه بقدراتها وقيمتها المضافة.

وهنا علينا أن نكسر القوالب التي تشكل عليها النساء والفتيات منذ ولادتهن. القوالب التي نتوارثها من جيل لآخر، لأنها تلغي دور القدرة والموهبة والطموح. علينا أن نختار من الموروث ما يعطي كل فتاة مساحة لأن تفرد جناحيها وترينا تميز ألوانها.

وأؤكد هنا بأن القوالب هي موروث فكري وليس دينيا...

فالإسلام حين أنار العالم، أعطى المرأة حقوقا ومنزلة وخيارات قفزت بمكانتها من ظلم الجاهلية؛ كانت المرأة تاجرة ومزارعة ورائدة أعمال، محاربة وممرضة في الغزوات! ومع مرور الوقت بدأنا بتحجيم المرأة في عقولنا؛ فتحجم دورها في المجتمع.

أيها الجمع الكريم:

إن تغيير القوانين يأخذ وقتا، أما تغيير المفاهيم فقد يستغرق أجيالا.

لذا لم أحضر اليوم لأحدثكم بخطاب مكرر عن حقوق المرأة وأنها نصف المجتمع وبكل ذلك. ففي الوطن العربي؛ تزداد ظروفنا تعقيدا. مشاكلنا متفاوتة؛ لكن ما هو مشترك بيننا هو ضيق الوقت..

خاصة وغزو الأفكار الظلامية يحتم علينا القفز إلى الأمام بأميال.. لمواجهة التيارات التي تحاول أن تقذف بنا قرونا إلى الوراء. فها نحن نرى الأمية تتفشى في مجتمعات خرجت في العقود الماضية رائدات وعالمات!

تكالبت العوامل على ملايين النساء العربيات ولم تترك أسوأ إحتمال ..إلا وأوصلتهن إليه.

الحضور الكريم..

لا شك أننا في سباق على المستقبل. وعلى الرغم من محاولاتنا ومكتسباتنا لا نزال نراوح مكاننا من شدة الرياح العاتية: محددات متوارثة وفكر هدام.

نحتاج قوة دافعة للأمام، وبين أيدينا اليوم تكنولوجيا حديثة وأفكار خلاقة، بين أيدينا منظومة وفضاء إلكتروني مفتوح. وهي قادرة على إحداث نقلات نوعية في التعليم، على خلق فرص عمل، والتغلب على المعوقات التي تقف في وجه المرأة، بين أيدينا أدوات تعطي النساء صوتا أعلى ومساحة أكبر للمشاركة وحشد الدعم .

لذا.. أتيت اليوم لحثكم، لأخاطب أهل الأفكار والحلول غير التقليدية؛ على إيجاد سبل سريعة لإحداث التغيير. ولخلق واقع جديد للمرأة العربية ومجتمعها.

فالابتكار يكسر القواعد، غير محصور بعرف أو بمؤسسة، غير مرهون بأصوات وغير مرتبط بأجندات. أجمل ما في الإبتكار أنه حر. فمن حولنا مئات المبادرات ومئات النساء اللاتي استطعن استثمار وسائط التكنولوجيا الحديثة بمهارة.. لخدمة المجتمع.

مثل آلاء سليمان من بلدي الأردن التي جعلت للكتاب العربي صوتا! رأت آلاء حاجة لمكتبة صوتية عربية، لأجل ذوي الإعاقات البصرية ولتغذية المحتوى العربي. فابتكرت منصة إلكترونية عليها كتب عربية مقروءة بشكل شيق على الإنترنت وعلى أمازون!

والمخرجة وصانعة الأفلام المصرية تهاني راشد التي أرتنا وعلى مدى عقود من خلال عدسة كاميرتها الوجه الإنساني لبعض ما نواجه كعرب، سواء في مخيم أو شارع أو في حرب أو مرض.

ومثل إسراء الشافعي من البحرين التي أعطت الشباب قبل عشر سنوات! مساحة لإبداء الرأي ومشاركة مواهبهم وأفكارهم. لأنها رأت حينها أن الشباب يتقنون لغة العصر لكنهم لا يعرفون كيفية توظيفها لخدمة قضاياهم.

هذه أمثلة على جهود فردية وهي غيض من فيض لنساء رائدات.

وأخيرا وليس آخرا وزيرتان شابتان في دولة الإمارات. مبارك لكم!

أيها الحضور الكرام:

أعمل كثيرا مع نساء عصاميات وعندما أسألهن عن آمالهن؛ يكون جزء من الإجابة دائما؛ ودون أي استثناء "بدي أساعد الستات اللي بمجتمعي".

تلك هي طبيعة المرأة.. الغريزة التي خصها الله بها، أن ترعى، أن تحتضن، أن تعطي من ذاتها.

وقد أثبتت لنا التجارب أن نجاح إمرأة لا بد أن يتلوه نجاح أخريات. فالمرأة شجرة مثمرة.. شجرة خلقت لترعى.. فتعطي دائما أضعاف ما تتلقاه.

حين تنهض المرأة تمد ذراعيها لترفع من حولها. لذلك إن مكنتم إمرأة مكنتم مجتمعا بأكمله.

وفي الوطن العربي اليوم...نحن في أمس الحاجة للحاق بالركب العالمي الذي سبقنا بأشواط، نحن بحاجة إلى أياد قوية متعلمة مستنيرة ترفع مجتمعاتنا لنقف من جديد.

بارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.