كلمة الملكة في افتتاح المقر الجديد لأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين في الجامعة الأردنية

27 كانون الثاني 2019

سيدي صاحب الجلالة الهاشمية حفظك الله،

الحضور الكرام...

فرحتي اليوم كبيرة، يوم ندشن مبنى الأكاديمية ليكون لأهل العلم بوابة عبور تفتح لهم آفاقا جديدة في التعليم.

منارة العلم هذه التي نجلس فيها اليوم هي ترجمة ملموسة لمبدأ لطالما دعا إليه سيدنا وهو العمل بروح الفريق، فهذا الإنجاز تم نتيجة شراكة بين جهات متعددة:

كادر الأكاديمية الذين عملوا منذ عشر سنوات دون كلل لتطوير وتنفيذ البرامج، ووزارة التربية والتعليم التي آمنت بأولوية تدريب المعلمين، والحكومة الأردنية وحكومة دولة الكويت الشقيقة، اللتان مولتا بناء هذه الأكاديمية، والجامعة الأردنية التي أضافت اليوم إلى ترسانتها العلمية بانضمام هذه الأكاديمية إلى شقيقاتها من كليات الجامعة الأم التي نفاخر بها – مبارك لها هذا الصرح.

الشكر الموصول لكم جميعا، لكل جهة وكل فرد، أتمنى أن تكونوا فخورين بما بنيتم بقدر ما نحن فخورون ببيت العلم هذا.

خلال العشرين عاما الماضية جلست مع آلاف المعلمات والمعلمين. رأيت في كل واحدة وواحد منهم أمل جيل بأكمله؛ وطموح أهالي ومستقبل شعب. لذلك، أنشأنا أكاديمية تدريب المعلمين.

كثير منكم هنا يعلم بأن رحلة هذه الأكاديمية لم تكن دون عقبات وتحديات، ولم تكن دون انتقادات، كما لم تكن استثمارا بسيطا....

لكنها استثمار لا يخسر أبدا... فلا جهة أجدى بأن نضع مالنا ووقتنا وجهدنا فيها ممن يقف في مقدمة الفصل الدراسي، في المعلمة التي تقضي مع أبنائنا ثلث يومهم، في المعلم الذي ينهل منه أبناؤنا المبادئ والقيم كما سيتعلمون منه الرياضيات واللغة… في من يتفانون في أداء رسالتهم كل يوم، سنة بعد سنة، وجيلا بعد جيل. وما أعظم تلك الرسالة وما أجلها!

وما أطول رحلة كل منا في البحث عن غايته وهدفه في الحياة ... كيف سيحدث فرقا في حياة الآخرين ويترك بصمته في هذه الدنيا. وأنا حين بدأت العمل العام أدركت أن لا غاية أهم بالنسبة لي من تمكين المعلمين.

لكن تحديد غايتنا لا يعني بالضرورة تحقيقها؛ هناك مسافة بين ما يطمح إليه المرء وما يحققه في حياته. فبينما نمضي... يزاحمنا التشكيك بالنفس أحيانا، أو نصطدم بعقبة تفقدنا بوصلتنا فنحيد عن دربنا. وقد تزعزع المشاكل ثقتنا بجدوى ما نفعل فنراوح مكاننا في تردد.

المحظوظون منا يجدون من يلهمهم ويدفعهم للمضي باتجاه هدفهم. وأنا محظوظة بأني وجدت ذلك الشخص... وهو الأقرب لي... ولي الشرف بأن أكون رفيقة دربه.

سيدنا.... خلال العقد الماضي مررت والأكاديمية في طريق طويل - وأحيانا – وعر، وحين تعثرت، وجدت يدك ممدودة لتساندني ولتؤكد لي بأن النهوض هو الوسيلة الوحيدة للمضي قدما وبأن هذا المشوار يستحق العناء.

وجدتك توجهني لكي أرى بوضوح وسط التحديات التي تعصف بتطوير التعليم، وأجدك دائما كريما في نصحك حين تنال من عزيمتي الشكوك. وفوق ذلك كلـه، ترسخ إيماني - كل يوم - بأهمية تعليم أبنائنا ودعم معلميهم.

تلهمني بسؤالك لي بحرص الأب عن أوضاع المدارس حين أزورها... فيما نراه من صورك مع أبنائك في المملكة حين تدنو منهم لتنصت إليهم وتشعرهم بالاهتمام. وبأنك - رغم ثقل مسؤولياتك - تتابع تعليم أبنائك وتحرص على الارتقاء به ليليق بطموحك لهم.

أعلم أنك لا تنتظر أبدا كلمة شكر... ومع ذلك؛ مني ومن كل طالب وأب وأم ومعلم ومدير... شكرا سيدنا. بدون قلبك الواسع - الذي يجد فيه كل طفل مكانا -  لم يكن لهذا المشروع أن يبصر النور.

سيدي جلالة الملك... الحضور الكرام؛

ما من أحد أجدر بحمل مسؤولية تربية وتعليم الأجيال ممن اختار أن يتعلم لأجل أن يعلم. ممن تركت حضن بيتها خارج عمان لتلتزم بحضور الصفوف... ممن يخرج من بيته قبل بزوغ الشمس ليتمكن من أساليب التخطيط للحصص، ووضع أمثلة لاستخدامات الرياضيات في الحياة العملية، وتهيئة بيئة صفية تحث الطالب على التساؤل والتعلم. هذا هو الطموح وهذا هو أساس المواطنة، وهذه هي القيم التي تريدها سيدنا لبناة المستقبل. المعلمون هم جندك، وها هم اليوم يتسلحون بالعلم والعزيمة لينشئوا أجيالا تمشي بثقة وتنتصر على تحديات الأزمنة.

كلنا فخر بمعلمينا وبكل معلم مؤمن برسالته، مبارك للوطن هذا الصرح، ومباركة جهود كل من وضع لبنة من لبناته.

بارك الله فيكم وفي همتكم،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته