ترجمة حديث جلسة الملكة رانيا في جلسة حوارية ضمن مبادرة كلينتون العالمية

20 أيلول 2022

هيلاري كلينتون: نحن متحمسون لهذه الجلسة لأن الملكة رانيا هي صديقة منذ زمن ومشاركة في مبادرة كلينتون العالمية، والذي يعني الكثير. انضمت هي وزوجها إلى العديد من الشراكات المؤثرة. وفيليبو لديه عمل صعب جداً كمفوض سامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لذا دعونا نبدأ، لأننا سمعنا الكثير عما يعنيه أن تكون في موطنك وأن تنزح منه. لذا، الملكة رانيا، أريد أن أتحدث عن الأكثر من مليون لاجئ سوري الذين يسمون الأردن موطنهم، ويشكلون حوالي 7% من سكان الأردن. ويجب أن أقول، أن الحكومة وجلالة الملك وانتِ وغيركم، أظهرتم تقبلاً ودعماً كبيراً في ظل ظروف صعبة جداً، ونحييكم على ذلك. لكن 11 عاماً منذ بداية هذا اللجوء الواسع للأردن، ما هي أهم الدروس التي تعلمها بلدكم فيما يتعلق باستيعابهم وتعزيز الانتماء والاندماج للاجئين الجدد؟

الملكة رانيا: في البداية شكراً على استضافتي هنا. ومسرورة أن أكون هنا معكم، وبجانب أحد أكثر شركاء الأردن التزاماً – خلال عملك في الاونروا وبصفتك الحالية، لذلك شكراً جزيلاً. كما قلتِ أخر مرة كنت هنا كانت قبل ست سنوات. ومع ذلك، بعد ست سنوات، ما زلنا نتحدث عن الأزمات ذاتها، والتي تفاقمت بسبب الجائحة والنزاعات الجديدة. لذلك أصبحت الأوقات أكثر قسوة، ومع ذلك زادت ايضا عزيمة الأردن. فنحن اليوم، ما زلنا ملتزمين بدعم ومساعدة اللاجئين على الاندماج في مجتمعنا. في الحقيقة، هذا العام فقط أصدرت الحكومة الأردنية 62 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين وذلك في وقت وصلت فيه نسب البطالة بين الأردنيين إلى خانة العشرات. لذلك، من الواضح أننا نتأثر بالتحديات– كارتفاع أسعار الغذاء والوقود، ومعدل البطالة، واكتظاظ العيادات والمدارس. لكن المثير للاهتمام، أنه بحسب دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين صدرت قبل ثلاثة أشهر فإن 96% من الأردنيين ما زالوا متعاطفين مع اللاجئين، وهو امر ملفت فيما يتعلق بمنظومة القيم الخاصة بنا في الأردن. ولن ندير ظهرنا أو ننقلب على أشخاص يبحثون عن مأوى وحماية. وذلك أمر بالغ الأهمية عندما يتعلق بالاندماج الاجتماعي. ويُظهر أن الناس طيبون بطبيعتهم، ويريدون فعل الشيء الصحيح، إذا لم يطلب منهم أحد أن يخافوا من الآخر.

وكما قلت هو مهم من أجل الاندماج الاجتماعي لأن الموطن ليس مجرد مكان. إنه أشخاص – ومن الصعب على الشخص ان يشعر أنه في موطنه إذا شعر أنه غير مرغوب أو غير مرحب به. وفي الأردن، أدركنا ذلك وغيرنا تفكيرنا تجاه اللاجئين. فهي ليست أزمة إنسانية مؤقتة. بل تتطلب حلولاً تستوعب وتستجيب لواقع من النزوح طويل المدى، لذلك هي أزمة تنمية بشرية وتتطلب نظرة بعيدة المدى.. تحتاج حلولاً تركز على النمو وبناء القدرة على التكيف، والاستدامة وخلق الوظائف وذلك ليس سهلاً. هل حققنا ذلك؟ بالتأكيد لا، ولأن أفضل الخطط الموضوعة ليست مقاومة للأزمات، وذلك تحدي آخر – ما نحتاجه هو إيجاد طرق لكيف يمكننا ضمان تنفيذ خطط التعافي بأقل الخسائر في عالم مضطرب. وهناك أمثلة كثيرة جيدة على الشراكات التي قمنا بها، فعلى سبيل المثال، قامت مؤسستي “مؤسسة نهر الأردن” بشراكة مع ايكيا، ومن خلالها، تمكنا من دعم النساء وخلق حلول مستدامة للمجتمعات المستضيفة. لأنه من المهم أن تشعر الدولة أن مساعدة اللاجئين لا تكون على حسابها بل تخدم الدول المستضيفة. لذلك من خلال هذه الشراكة، كنا قادرين على توفير الاف الوظائف لسيدات أردنيات وسوريات وإدماجهن في سوق العمل. ولم يساهم ذلك في تغيير حياة مئات العائلات فقط، بل أثبت الأثر الكبير للتعاون بين شركة عالمية متعددة الجنسيات ومنظمة غير حكومية محلية. لم يكن بوسعنا فعل ذلك بدون ايكيا، وآمل أن تصل هذه الرسالة للكثيرين في المجتمع الدولي: لا يمكننا تحقيق ذلك بدون شركاء ملتزمين من العالم.

هيلاري كلينتون: تلك نقاط مهمة، وبالاستماع لكما، أعتقد أننا نحتاج أن نرفع من مثال الأردن لأن الدروس التي تحدثت عنها جلالة الملكة لم تحدث بالصدفة. كانت مقصودة. أنتِ وزوجك، وحكومة زوجك، الجميع مشارك – اتخذتم قرارات لتحديد كيفية إدماج مليون لاجئ في بلد واحد. ووضعتم خطة لفعل ذلك، وأعتقد أن هؤلاء اللاجئين يعيشون في المدن والقرى. ليسوا في مخيمات لجوء على الأغلب. هل ذلك صحيح جلالتك؟

الملكة رانيا: بالتأكيد، وكما تعلمين، أعتقد أن الأمر يبدأ بإدراك أنه لا يوجد الكثير من القرارات التي يجب اتخاذها. هذه مسؤولية عالمية، هو واجب وليس خياراً. وأعتقد أن هذه هي المشكلة مع العديد من الدول. يعتقدون أن هذا خيار. لذلك أعتقد أن في البداية قمنا باتخاذ القرار أنه علينا فتح أبوابنا للاجئين. وكما قلت، كنا ننظر لحلول طويلة المدى. من المهم أن نندمج – أن يصاحب الجهد الإنساني جهود التنمية، لكن ذلك يتطلب تمويلاً أكبر لا أقل. وللأسف العديد من التعهدات – غالبية التعهدات في الواقع - تبقى حبراً على الورق. كما تعلمين، برامج الاستجابة للاجئين، وكما ستشهد أيضا على صحة ذلك، تعاني من نقص حاد في التمويل في كل مكان في العالم. على سبيل المثال في الأردن، تم تمويل 10% فقط من خطة الاستجابة الأردنية حتى الآن، وأهداف إعادة التوطين قليلة جداً. بمعنى، كما تعلمون، هناك أمثلة على دول غنية قامت بما هو صحيح تجاههم وألهمتنا، لكن للأسف بالنسبة للغالبية العظمى، كان سباقاً نحو الهاوية – مع الانخفاض الشديد في أعداد اللاجئين الذين يسمحون بدخولهم. كما يجب أن ندرك أن الهجرة الجماعية والنزوح القسري من الممكن أن تكون نمطاً سنوياً. ولذلك يجب أن نكون مستعدين للاستجابة للمرة المقبلة عندما تحدث مثل هذه الأزمة مرة أخرى – لأنها ستحدث. يجب أن نكون قادرين على الاستعداد والاستجابة بشكل أسرع. وهذا يعني النظر إلى اللاجئين بصورة أشمل وليس عبر ثقب الباب. بحسب البنك الدولي، بحلول عام 2050 سيتسبب تغير المناخ وحده في نزوح أكثر من 200 مليون شخص. لذلك فنحن نتحدث عن نمط عالمي. ولذلك الأمر يعود لنا. هل نريد عالماً غير مستقر ومضطرب مع لجوء عشوائي للناس؟ أم نظام هجرة جماعية منظم وعادل؟ لكن في عالم ينتشر فيروس في أنحائه خلال أيام، ويقلب الحياة التي نعرفها رأسا على عقب لسنوات، أو في عالم يمكن لنزاع في أوروبا أن يُسبب مجاعة على بعد آلاف الأميال، فالعزلة ليست خياراً. الأزمة في مكان ما هي أزمة في كل مكان. وكما قال فيليبو، كانت الاستجابة للأزمة الأوكرانية مطمئنة جداً، بمعنى أننا رأينا الناس، والعديد من الدول الأوروبية، تستجيب بترحاب شديد وبسياسات منفتحة. كانت الاستجابة سريعة وصادقة، تماماً كما يجب أن تكون، لأي أزمة ولأي لاجئ من أي بلد. لكن التباين في الأسلوب والسخاء والأهمية التي أولتها الدول في الترحيب باللاجئين الأوكرانيين مقارنة بأولئك اللاجئين من مناطق أخرى من العالم مثل سوريا أو السودان أو ميانمار، كانت بالفعل مذهلة.

احدى الدول الأوروبية التي رحبت بأكثر من نصف مليون لاجئ أوكراني هذا العام، كانت قد طردت في سنوات سابقة عشرات الالاف من اللاجئين الهاربين من الدمار في سوريا ودول أخرى. هنا في الولايات المتحدة، بحسب استطلاع أجرته مؤخراً مؤسسة غالوب، وجد أن حوالي 80% من الأمريكيين يوافقون على استقبال اللاجئين الأوكرانيين في الولايات المتحدة، بينما في عام 2015، وافق 37% فقط على استقبال اللاجئين السوريين. لذلك، لا يمكن تطبيق الإنسانية بشكل انتقائي. وليس الانحياز فقط الذي كشفته هذه الأزمة، لكن وكما قال فيليبو، الضغط المتزايد على المساعدات الإنسانية دفع بلاجئين من مناطق أخرى من العالم إلى أسفل قائمة الأولويات. وأعتقد، في نهاية المطاف، قد يبدأ الناس الآن في تفهم سبب هروب السوري من بلده والبحث عن اللجوء في أوروبا، عندما اتخذ الاوكراني القرار ذاته. لذلك ربما ذلك سيحدث تغييراً في الحوار حول هذه القضية. لأنه أعتقد أنه إلى أن نتقبل حقيقة ترابطنا سنستمر في المعاناة من أسوأ عواقب ذلك.

هيلاري كلينتون: كلمات مهمة جداً لتذكيرنا جميعاً بحقيقة أننا جميعاً في هذا معاً...

الملكة رانيا: في الحقيقة، من الصعب إنهاء هذا الحوار دون الحديث عن أهمية القيادة. لأنه، كما تعلمون، وكما هو واضح، من الصعب جداً على أي قائد أن يحقق التوازن بين أجندته المحلية، والالتزامات العالمية والإنسانية. لكن لا يكمن الحل في تطبيع الخوف من الآخرين. وقد يكون من المغري بالنسبة للقادة، كما ذكرتِ، استخدام خطاب شعبوي والتحريض على الخوف والكراهية والغضب تجاه الآخرين، وإبقاء الناس منطوية على بعضها وخائفة من عالم تعتقد أنه خطير، ومن المهاجرين أو المسلمين أو من تبعات العولمة. لكن لا يمكن أن يكون ذلك هو الحل، من الواضع أن استخدام شعارات غاضبة أسهل من إيجاد حلول بناءة، لكن الحقيقة تبقى حقيقة. نحتاج إلى قيادة واثقة من نفسها وشجاعة ومتعاطفة والأهم من ذلك أن تكون صادقة. أمامنا عقود من الأدلة التي تُظهر، أنه في حال تم إدماج اللاجئين بطريقة صحيحة، يمكن أن يكونوا مساهمين حقيقين في المجتمع. هنا في الولايات المتحدة بين عامي 2004 و2015، ساهم اللاجئون بحوالي 63 مليار دولار في عائدات الضرائب، أي أكثر مما صُرف عليهم.

هيلاري كلينتون: أتمنى لو كان بإمكاني مواصلة هذا الحوار، لان ما يقوله ضيفاي هو ما نحتاج سماعه جميعاً. وآمل لو كان بإمكاننا أن نروج كلامكما. نحن بالطبع على الانترنت، وسنقوم بكل ما يمكننا فعله لايصال هذه الرسالة. ونود أن نبتكر طرقاً للشراكة بين مبادرة كلنتون العالمية وبينكما لايصال الرسالة الصحيحة حول القيادة. واعجبني ما قالته جلالة الملكة، وهي القيادة على كافة المستويات، كما سمعنا من الشابة من بولندا والشاب من الصومال. لذلك لنحيي مرة أخرى ضيوفنا الأعزاء. شكراً