مقابلة الملكة رانيا مع بيكي أندرسون على شبكة سي إن إن

05 تشرين الثاني 2023

الملكة رانيا: يجب أن تكون هناك دعوة جماعية لوقف إطلاق النار. وأعلم أن بعض معارضي وقف إطلاق النار يقولون إنه سيساعد حماس. إلا أنني أشعر أنهم بهذه الحجة يتجاهلون، لا بل في الواقع، يدعمون ويبررون موت الآلاف من المدنيين، وهذا أمر مستهجن من الناحية الأخلاقية، كما أنه يدل على قصر نظر وهو غير عقلاني.

لأنه، كما قلت سابقاً، إذا تمكنت من القضاء على حماس بأكملها فماذا بعد؟ السبب الأساسي لهذا الصراع هو الاحتلال غير المشروع... انتهاكات روتينية لحقوق الإنسان، ومستوطنات غير قانونية، وتجاهل لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي. إذا لم تتم معالجة هذه الأسباب الجوهرية، فيمكنك قتل المحارب، لكن لا يمكنك قتل القضية. وعلى ركام هذه المباني المدمرة، ستظهر مجموعة أخرى أكثر إصراراً وأكثر عزماً للقيام بما فعلته حماس. لذلك أعتقد أنه لا بد على إسرائيل أن تدرك أخيراً أنها إذا أرادت أمنها، المسار الأضمن هو السلام. وأقوى جيش أو أكثر أجهزة الاستخبارات قدرة، أو القبة الحديدية، أو الجدار العازل، لن تحمي أمن إسرائيل، بقدر السلام. وأعتقد أن هذا هو المسار الذي يتعين علينا اتباعه الآن.

بيكي أندرسون: وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن كان في الأردن خلال نهاية الأسبوع. قال إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ضمن قواعد الحرب من أجل ضمان عدم حدوث ما حدث في السابع من تشرين الأول مرة أخرى

الملكة رانيا: إذا أردنا ضمان ألا نجد أنفسنا في هذا الوضع مرة أخرى، علينا أن نسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى هنا؟ إذا حال العنف بين الفلسطينيين وبين مستقبل أفضل، فحينها هم أنفسهم سيقفون ضده. أريد أن أعطيكِ حقيقة واحدة بسيطة. بعد اتفاق أوسلو عام 1993، أجري في عام 1996 استطلاع أظهر أن 80% من الفلسطينيين أيدوا الاتفاق وتراجع الدعم للمقاومة المسلحة إلى 20%. لذا لو كان أمام الفلسطينيين أفق سياسي، سيكونون هم أنفسهم ضد أي شكل من أشكال العنف، لكن يجب إعطاؤهم ذلك الأفق. 

بيكي أندرسون: الى أي درجة تشعرين بالقلق لازدياد أعداد القتلى المدنيين وتردي الوضع الإنساني على الأرض في غزة، والى أي مدى ترين إسرائيل تتخذ إجراءات لتقليل الضحايا؟

الملكة رانيا: لا يمكنني وصف حجم ونطاق الوضع الإنساني الكارثي الذي نراه. إنه أمر غير مسبوق على الإطلاق. ومشاهدة هذا الكم الهائل من المعاناة الإنسانية التي نراها أمر غير محتمل. حوالي عشر آلاف شهيد، نصفهم تقريباً من الأطفال. ومن منظور آخر، خلال الأسابيع الأربعة الماضية في غزة، استشهد ثمانية أضعاف عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال العشرين شهراً من الحرب الأوكرانية. ووصفت اليونيسف غزة بأنها مقبرة للأطفال. وكما تعلمون، هذه ليست مجرد أرقام، فكل واحد من هؤلاء الأطفال كان يعني كل شيء لشخص ما.

هناك مصطلح في غزة، WCNSF  أي طفل جريح ليس له عائلة على قيد الحياة. وهذا مصطلح يجب ألا يكون له وجود أبداً لكنه موجود في غزة. أعتقد أن العالم يصرخ: كم من المزيد من الناس يجب أن يموتوا قبل أن يستيقظ ضميرنا العالمي؟ أم هل هذا أمر لاغي عندما يتعلق بالفلسطينيين؟

بيكي أندرسون: يصر الإسرائيليون على أنهم يفعلون كل ما في وسعهم لحماية المواطنين. يقولون إن حماس تستخدم المواطنين كدروع بشرية ويذكرون أمثلة عديدة لما يصفونه باستخدام جماعة إرهابية دروع بشرية في هذا الصراع. ما رأيك بذلك؟

الملكة رانيا: حسناً، انظري، بعد استشهاد أكثر من 10 آلاف شخص، 70٪ منهم نساء وأطفال، ادعاء الإسرائيليين أنهم يحاولون حماية المدنيين هو بصراحة إهانة لذكاء أي شخص. عندما يُخير  1.1 مليون شخص بين مغادرة منازلهم أو المخاطرة بحياتهم، فهذا ليس حماية للمدنيين، بل هو تهجير قسري. وقالت وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات أنه لا يوجد مكان آمن في غزة. وحتى المناطق التي طلب (الإسرائيليون) من الناس اللجوء إليها - ما يسمونها بـ "المناطق الآمنة"، تعرضت للقصف أيضاً. ناهيك عن أن أوامر الإخلاء تُرسل عبر الإنترنت أو على التلفاز، مع العلم أنه لا يوجد كهرباء في غزة منذ بداية هذه الحرب. لا أعتقد أن أوامر الإخلاء هذه هي لصالح المدنيين في غزة، فهم ليسوا الجمهور المستهدف، بل بقية العالم. هي مسعى إسرائيلي لمحاولة إضفاء الشرعية على أفعالهم.

وعندما يتعلق الأمر بالدروع البشرية، أعتقد أننا بحاجة إلى الانصياع للقانون الدولي. وبالطبع استخدام الدروع البشرية يعد جريمة. ولكن حتى لو قام أحد الأطراف بتعريض مدني للأذى، يبقى من حق هذا المدني الحصول على الحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي. هذا هو المعيار العالمي، ولا تُستثنى أي دولة منه. لذا، قبل إطلاق أي رصاصة وقبل إسقاط أي قنبلة، تقع المسؤولية على الدولة لتقييم المخاطر على حياة المدنيين. وإذا كان هذا الخطر غير متناسب مع الهدف العسكري، فإنه يعتبر غير قانوني.

وبصراحة، أجد أنه من المثير للغضب عندما يُقلل المسؤولون الإسرائيليون من شأن الضحايا الفلسطينيين بذريعة أنهم دروع بشرية، في مكان مثل جباليا، التي هي من المناطق الأعلى كثافة سكانية في غزة، وغزة نفسها واحدة من أكثر بقاع الأرض اكتظاظاً بالسكان، موت المدنيين ليس "غير مقصود" أو "عرضي"، بل هو أمر محتوم، وهذا يجعلها جريمة حرب.

بيكي أندرسون: الملكة رانيا، نرى ارتفاعاً ملموساً في معاداة السامية في الولايات المتحدة، بالأخص في حرم الجامعات. كما أننا رأينا زيادة ملموسة في الاسلاموفوبيا والهجمات على الطلبة المسلمين. في الوقت الذي يتزايد فيه الخوف والكراهية، ما مدى قلقك، وماذا يمكن وما الذي يجب القيام به لتهدئة ما يجري؟  

الملكة رانيا: أريد أن أدين بشكل قاطع معاداة السامية والإسلاموفوبيا. ومهاجمة شخص ما بناءً على معتقداته غير مقبول وليس مبرراً. ولكنني أريد أيضاً أن أذكّر الجميع بأن إسرائيل لا تُمثل جميع اليهود في أنحاء العالم. إسرائيل دولة وهي وحدها المسؤولة عن جرائمها. اليهود حول العالم، الكثير منهم مصدومون مما يرونه. وكما قلتِ، فإن الإسلاموفوبيا هي الوجه الآخر لنفس المرض.

ونحن المسلمون، علينا أن نكون أول من يدين معاداة السامية. لدينا تاريخ طويل من التعايش السلمي. لذلك، الأمر لا يتعلق بالدين بل بالسياسة. وما رأيناه في السنوات الأخيرة هو استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح لإسكات أي انتقاد لإسرائيل. لذلك فإن المدافعين أو المؤيدين لإسرائيل الذين لا يستطيعون الدفاع عن تصرفات إسرائيل أو سلوكها، يلجؤون إلى إنهاء الحوار عبر المساواة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. دعوني أكون واضحة تماماً، أن تكون مؤيداً للفلسطينيين لا يعني معاداة السامية. أن تكون مؤيداً للفلسطينيين لا يعني أنك مؤيد لحماس أو مؤيد للإرهاب.

أعتقد أن إسرائيل تستحق من حلفائها أكثر من مجرد الدعم المطلق. أعتقد أنها تستحق بعض الحقائق غير المريحة، لأنه إذا كنت صديقاً حقيقياً، فإنك تدعم صديقك عندما يكون على حق، ولكنك تنصحه أيضاً عندما يتجاوز حدوده.