مقابلة الملكة رانيا مع جريدة الأيام البحرينية

December 12, 2010

أجرى المقابلة عيسى الشايجي

لا يكفي ان تكون في موقع القرار حتى تصنع الإنجاز، فالقرار يحتاج الى الارادة الصلبة والرؤية النيرة، والاهم من هذا وذاك، يحتاج بالاساس الى الروح حتى يحيى ويعيش ويتنفس الحياة، هذه الروح هي المشاعر الانسانية الشفافة ...هذه المشاعر الانسانية هي مايميز جلالة الملكة رانيا العبدالله قرينة جلالة عاهل الاردن، التي يستطيع المرء وبكل وضوح ان يرى مشاعرها الانسانية الحميمة في كل الاتجاهات التي انطلقت فيها، لتسبغ عليها طعما ونكهة مميزة لا تخطئها العين ولا القلب.

.. هذا هو سر نجاح جلالة الملكة رانيا العبدالله على كل الاصعدة – داخلياً في الاردن وخارجياً على مستوى العالم – فهي تحمل في قلبها وفي راحة يديها هموم الانسان.

.. في فكرها تتناسل المشاريع الكبرى، وفي قلبها تتمنى ان تصل الى كل فرد على وجه الارض، لتمد اليه يديها الكريمتين بالمساعدة التي تجعله يقف على قدميه ويرى نور الشمس.

انها شخصية لا تعرف الركون، فكل جزء فيها ينبض بالحركة والنشاط، وهي شخصية لا تعرف المستحيل ولا النكوص ولا التراجع، انها شخصية تتجسد فيها كل معاني الاصرار على النجاح،

ان جلالة الملكة رانيا وفي كل لقاءاتها ونشاطاتها، هناك ما يشغل فكرها وقلبها وهو موضوع التعليم وخاصة مشروع: «مدرستي»، فبالتعليم تنهض الأمم وبدونه تعيش في ظلام.

ان التعليم هو اساس حياتنا .. هو من يستطيع ان يخرجنا من العتمة الى النور، فلا غرابة ان يأخذ الحديث عن التعليم الحيز الاكبر في كل لقاءات ونشاطات جلالة الملكة.

.. في الطريق الى الاردن، كانت الصور والمواقف تتوالى في مخيلتي، كانت صور ومواقف تنضح بالانسانية لجلالة الملكة رانيا العبدالله والتي تستطيع ان تشاهدها وتتلمسها عن قرب على صفحات الصحف وعلى شاشات التلفزة وفي مواقع الانترنت وفي كل لقاءاتها القريبة واللصيقة بالناس.
.. لازمتني هذه المشاعر وانا اتشرف بدخول مكتبها في عمان الذي كان يجاور مكتب قرينها جلالة الملك عبدالله بن الحسين. هنا حيث ترى روح تتسم بالحيوية والنشاط وبالتجديد.

.. بعد مصافحة وابتسامة مرحبة دعتني جلالتها الى الجلوس لينساب الحديث بسلاسة من القلب بلا تكلف، ومن اللسان بطلاقة وفي عفوية و لكنها عفوية المتمكن من ادارة دفة الحديث وامتلاك ناصيته.

.. كان وقتها المطر يهطل لاول مرة على عمان هذا الشتاء، وكانت سعيدة بذلك لانها امطار خير وبركة تعم على الجميع وكان الاردن ينتظرها بشغف.

بادرتني بالسؤال عن احوال البحرين وخاصة حوار المنامة الذي القى فيه قرينها جلالة الملك عبدالله بن الحسين الكلمة الرئيسية، مؤكدة جلالتها على أهمية حوار المنامة الذي يسهم في التقارب والتفاهم وايجاد ارضيات مشتركة.

وكانت جلالتها تتكلم بحميمية ودفء عن البحرين وقيادتها وشعبها ومنجزاتها، وزياراتها المتعددة ولقاءاتها بمختلف الشخصيات البحرينية في لفتة جميلة تعبر عن مدى الاعتزاز الذي تحمله الملكة رانيا للبحرين.. وكانت البحرين كذلك بداية في الحديث الذي فيما يلي نصه:

العلاقات بين البحرين والاردن هي علاقات أخوية نموذجية .. ما هي طموحات جلالة الملكة رانيا لهذه العلاقات؟

- البحرين لها مكانة خاصة لدينا، وتربطنا بها علاقات قوية نابعة من حرص جلالة الملك عبدالله وأخيه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على تعزيز أواصرها. ونطمح دائما الى تعميق هذه العلاقات في كافة المجالات بما يعود بالفائدة على البلدين.

لا أنسى لسموها الإنجازات

ما هي الاهداف المشتركة التي تجمع صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة وجلالتكم؟

- على الصعيد الشخصي، تربطني بسمو الأميرة سبيكة علاقة صداقة قوية. وأنا أتابع ما تقوم به سموها من نشاطات، وأنظر بإعجاب كبير إلى اهتمام سموها بالمرأة ورعايتها لنهضة المرأة البحرينية والعربية. لا أنسى لسموها الانجازات التي حققتها خلال توليها رئاسة منظمة المرأة العربية مثل انشاء مكتبة الكترونية توفر معلومات ومواد تصب في مصلحة وخدمة قضايا وأبحاث المرأة.

أبارك للمرأة ثقة جلالة الملك

كيف ترى جلالة الملكة مساهمة المرأة البحرينية في مجالات الحياة المختلفة؟

- المرأة البحرينية كانت دوما سباقة في ميادين مختلفة، وهذا ما ألمسه دوما عندما أزور المملكة. وأبارك للمرأة البحرينية الثقة التي حصلت عليها باختيار جلالة الملك حمد المرأة لتشكل ربع أعضاء مجلس الشورى. وأرى أن المرأة البحرينية المعروفة بمستوى ثقافتها العالي تسير بخطوات ثابتة ويؤهلها لذلك قدراتها وذكاؤها ويدعمها ايمان القيادة بها.

مشاركة المرأة ضرورية

الانتخابات النيابية والبلدية في البحرين الشهر الماضي اسفرت عن فوز اول امرأة لعضوية المجالس البلدية، وكذلك فوز امرأة بالتزكية لعضوية مجلس النواب الى جانب وجود عشر عضوات في مجلس الشورى، ماذا يمثل ذلك للمرأة العربية؟

- بدون شك مثل هذه الخطوات فخر للمرأة البحرينية والعربية أيضا. فمشاركة المرأة ضرورية سواء بالترشح أو الانتخاب، ومن حق المرأة على المرأة أن تدعمها، لأنها الأقدر على إيصال قضاياها وصوتها. المرأة، إن أعطيت الفرصة، سيكون لها دور محوري وإيجابي في مجتمعها، وأنا على قناعة تامة أن أي بلد لن يستطيع الوصول إلى طموحه فيما لا تزال نصف موارده البشرية معطلة.

المرأة أثبتت جدارتها

أين ترين جلالتك المرأة العربية في العمل السياسي؟ ولماذا لا نرى المرأة العربية في مواقع صنع القرارات العليا؟

- المرأة العربية في طريقها لتحقيق ذلك، لكننا في خطواتنا الأولى. فقد أثبتت المرأة قدرتها وجدارتها في كافة المجالات، ومثال ذلك مشاركة المرأة البحرينية في مجلس الشورى، وتسلمها لوزارات سيادية في عدد من الدول العربية كالأردن، وفي سوريا هي مستشارة للرئاسة.
يجب أن يكون للمرأة صوت ويد في صنع القرار الاقتصادي والسياسي كما لديها دور في العائلة ومجتمعها الصغير.

قوانين أحكام الأسرة

قوانين احكام الاسرة تصطدم بمعارضة رجال الدين، والمأساة الاكبر بمعارضة المرأة نفسها!! كيف نعمل من أجل نشر الوعي بأهمية هذه القوانين في اوساط النساء؟

- التحدي الأكبر لا يتمثل في القوانين نفسها، فالكثير من الدول لديها قوانين هامة ومتطورة، لكن التحدي يتمثل في تفعيلها. فهذه القوانين عادة ما تصطدم ببعض المفاهيم السائدة في المجتمع. نحن بحاجة الى نشر الوعي حول الحاجة لمثل هذه، في الأردن مثلا أعدت دائرة قاضي القضاة مؤخراً مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية وشارك فيه مجموعة من الخبراء المتخصصين في مجال الفقه والقانون والعلوم الاجتماعية.

فكرة «مدرستي» بسيطة

كيف جاءت فكرة «مدرستي» بشكل عام الى جلالة الملكة؟

- فكرة مدرستي بسيطة، المدرسة والمنزل هما العماد الأساسي لتربية الطفل، وإن كان احداهما ضعيفا فذلك يعيق نشأته السليمة. فأطفالنا يحتاجون البيئة المناسبة لتحفيز جميع جوانب شخصياتهم... سواء كانت قدرتهم على الاستيعاب أو الإبداع، والعديد من مدارسنا الحكومية لا توفر لهم تلك البيئة. ووجدت أيضا أن هناك دورا يمكن ان تلعبه عدة جهات غير وزارة التربية والتعليم في توفير تلك البيئة، سواء القطاع الخاص الذي يذهب أبناء العاملين فيه إلى هذه المدارس أو المجتمع المحلي المحيط بها، وبالطبع الأهل. أساس «مدرستي» هو التعاون بين جميع هؤلاء لتوفير البيئة والتعليم النوعي للتلميذ. ولذلك أخذنا على عاتقنا البدء بمشروع يجعل من التعليم مسؤولية مجتمعية.

منهاج «مدرستي»

ما هو سر نجاح وانتشار مبادرة «مدرستي»؟

- مشاركة الجميع في تطوير البيئة التعليمية والمحافظة عليها، وشعورهم بأن المدرسة ليست مجرد مبنى يذهب إليه أطفالنا ليتعلموا ولكنها البيت الثاني للطفل تتشكل فيه شخصيته. كما أن المدرسة بالنسبة لابناء المجتمع أصبحت ملتقى لمناقشة قضاياهم وتبادل خبراتهم، فعندما أقوم اليوم بزيارة إلى احدى المدارس التي تم تبنيها من قبل مبادرة «مدرستي»، أشعر بالسعادة مما أسمعه وأراه، فعلى سبيل المثال أصبح معلمو بعض المدارس يتطوعون بعد انتهاء ساعات دوامهم لتقديم دروس محو أمية لأبناء المجتمع المحلي، أو لإقامة محاضرات توعوية وتثقيفية. وهذا يتناسب مع منهاج «مدرستي» القائم على الشراكة مع المجتمع المحلي، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية التعليم والبيئة التعليمية الآمنة، وشعور جميع الشركاء بملكيتهم للمدرسة، وبمسؤوليتهم تجاهها.

جزء من صورة أشمل

هل مبادرات مثل «مدرستي» تكفي للحاق بالركب العالمي في مجال التعليم وماذا بعد «مدرستي»؟

- مدرستي وغيرها هي جزء من صورة أشمل يجب أن تتعانق جميع أجزائها. ويجب أن تتعامل مع العملية التعليمية بنظرة شمولية تقوم على تطوير عناصرها الأساسية: الطالب، والمعلم، والبيئة المدرسية. التقنية مثلا في تطور متلاحق، ويجب علينا أن ندخل الأفضل والأحدث إلى مدارسنا لنسلح أطفالنا.. علينا أن نسأل أنفسنا دائما: هل نوفر لهم الأفضل؟ وكيف نطور ما نقدمه حاليا؟ في الأردن أطلقت عدد من المبادرات التي تتناول جوانب مختلفة خاصة بالتعليم، مثل إنشاء أكاديمية لتدريب المعلمين، وجائزة لتكريم وتحفيز المعلمين، ومجموعة من البرامج التي تقوم بتنفيذها الجمعية الملكية للتوعية الصحية لنشر الوعي والممارسات الصحية السليمة بين طلبة المدارس. ولدينا أيضا متحف الأطفال الذي يحوّل تجربة الطالب في التعلم من تجربة نظرية الى عملية، ومبادرة التعليم الأردنية التي تعمل على إدخال التكنولوجيا في المدارس الأردنية.

« مدرستي فلسطين»

نود القاء الضوء على آلية عمل «مدرستي فلسطين» في ظل التحديات التي تواجه الطلبة والسكان من تقييد للحركة.

- بالطبع لا يخلو الامر من التحديات والصعوبات، وفي الحقيقة التحديات هي ذاتها التي يواجهها الطلاب والسكان في فلسطين مثل المعابر والحواجز والمضايقات. ولكن ما يساعدنا هو اننا نعمل من خلال وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الاردنية التي تملك الخبرة في التعامل مع مثل هذه التحديات باعتبارها الوصي على المقدسات الإسلامية والعديد من مباني المدارس العربية في القدس الشرقية.

أهداف عدة لمبادرة مدرستي

هل «مدرستي» قائمة فقط على صيانة البنية التحتية بالرغم من اهميتها، ولكن ماذا عن الجوانب الاخرى؟

- بالطبع لا، فهناك عدة أهداف لمبادرة «مدرستي»، أولها العمل على إصلاح البنية التحتية، اذ لا نستطيع البدء بأي برنامج قبل توفير البيئة المدرسية المناسبة. المرحلة الثانية في المدارس المشمولة هي تنفيذ مجموعة من البرامج التعليمية. وسنبدأ قريباً بتنفيذ برامج تعليمية تهدف إلى تطوير مهارات المعلمين والطلاب ومنها برامج لتدريب المعلمين، وبرامج لزيادة الوعي الصحي وضمان اتباع الطلاب للممارسات الصحية السليمة، إضافة إلى برامج تكنولوجية.

التعليم في القدس

إلى ماذا تطمح جلالة الملكة رانيا من وراء اصلاح مدارس القدس الشرقية وسط التدمير والتعنت الاسرائيلي؟

- التعليم حق يحفظ كرامة الفرد ومستقبله وحياته. وفي القدس للتعليم أهمية أكبر لأنها تحفظ للأطفال هويتهم الفلسطينية العربية في ظل الممارسات الاسرائيلية التي تتجاوز استيطان الأراضي والمنازل الى ما هو أصعب من ذلك وهو استيطان الهوية والتاريخ الفلسطيني من خلال إجبار الأطفال على التعليم الإسرائيلي أو ما يسمى بـ «أسرلة التعليم». نحن من خلال «مدرستي» نطمح أن نساعد هؤلاء الأطفال على الصمود لأننا في الحقيقة بحاجة لهم أكثر من حاجتهم لنا، فهم يمثلون الصمود العربي.

تطوير التجربة التعليمية

كثيراً ما نلقي التبعات على التعليم عند الحديث حول مشكلات المجتمعات العربية، فما هي عناصر التكامل في العملية التعليمية التي تخلق التوازن بين الفرد ومجتمعه وكيف السبيل الى تحقيقها؟

- الطالب يقضي نصف يومه في المدرسة وما يتعلمه فيها من عمل واحترام ومثابرة تمثل المبادئ الأساسية التي سيتعامل بها بعد خروجه منها. وهذا يجعلنا نعمل أكثر من أجل تطوير التعليم ليس من ناحية أساليب ومناهج ولكن تطوير التجربة التعليمية واثرائها للطالب. ولهذا فالعناصر الاساسية لتكامل العملية التعليمية تكمن في توفير بيئة مناسبة لاطلاق الابداع، ومنهاج متوافق مع قدرات الطالب واحتياجات المجتمع والتطورات المتسارعة، ومعلم متمكن يمتلك الكفاءة ومهارات التواصل والادارة التي تساعده على اداء دوره كميسر للعملية التعليمية.

تهنئة للشعب البحريني

ماذا ترغب جلالة الملكة رانيا القول لشعب البحرين عبر صحيفة الايام؟

- أود أن أوجه تهنئة للشعب البحريني بمناسبة العيد الوطني وعيد الجلوس، وأتمنى أن تحتفل مملكة البحرين بهذه المناسبة كل عام بمزيد من التطور والإنجاز. كما أقدم تهنئة خاصة للمرأة البحرينية بمناسبة يومها، وأهنئها على القيادة التي توليها جل اهتمامها ورعايتها.