كلمة الملكة رانيا خلال مشاركتها في فعاليات يوم الصناعة الألمانية 2016

06 تشرين الأول 2016

برلين, ألمانيا

شكراً على هذا الترحيب.

يشرفني الانضمام لكم في "يوم الصناعة الألمانية" ... فعلى الرغم من أنه بالنسبة لعائلتي وللعديد من العائلات حول العالم، كل يوم هو يوم صناعة ألمانية.

من السيارات إلى الكيماويات، ومن الالكترونيات إلى الأجهزة، صناعتكم تجعل العالم أفضل. العلامات التجارية الألمانية في مقدمة القطاعات من المصرفية إلى الصحية.

وتعمل الأبحاث والتطور الألماني على دعم تقدم الغد .. مطلقة وعد الثورة الصناعية الرابعة.

هذه الحقبة الجديدة والمبهرة ستتميز بالآلات والمصانع الذكية، والأنظمة والمنتجات الذكية .. وانترنت الأشياء. انه عالم جديد وشجاع تقف فيه الصناعة الألمانية بالطليعة، توسع حدود الانجاز الانساني، وتصنع التاريخ بتشكيل المستقبل.

ومع ذلك.. أحياناً يبدو أن التقدم الأخلاقي لم يواكب التقدم التكنولوجي.

في عالمنا اليوم الذي يركز على السرعة هل بدأنا ننسى كيفية الشعور؟ لا يمكننا أن نكتفي من الاتصال، ولكن ماذا عن التواصل الإنساني؟ على الرغم من أننا أصبحنا أقرب إلا أن عائلتنا العالمية تتباعد وتفترق بطريقة مقلقة.

ولذلك هناك ثورة اخرى اود التحدث عنها اليوم.

اسميها التعاطف الرابع .. وأريد منكم المساعدة لجعلها حقيقة.

تحدثت عن قوة التعاطف عندما زرت برلين العام الماضي، وكان لي شرف الانضمام الى المستشارة ميركل في احتفال جائزة والتر راثيناو.

تحدثت عن كيف يعطي بلدينا مثالا من خلال التعاطف مع معاناة اللاجئين، وتمنيت أن يمكننا إلهام الآخرين في أن يحذو حذونا.

ولكن واجهنا عقبات حقيقية.

بعد عام بالكاد، كان هناك اكثر من 90 هجمة ارهابية حول العالم. العديد ارتكبت باسم الاسلام ... على الرغم انه ليس هناك اي شيء اسلامي حول هؤلاء القتلى.

من المقاهي الى الاسواق .. من الفنادق الى اماكن العبادة .. جلبوا اراقة الدماء من ساحة المعركة الى عتباتنا.

هم لا يخترقون الحدود الوطنية فقط، لكن الحدود الشخصية لحياتنا اليومية.

عندما تكون العائلات الفرنسية التي تشاهد الالعاب النارية على الشاطىء هدفا .. عندما يكون العراقيون الذين يصلون في المسجد هدفا .. عندما يكون ركاب قطار الماني هدفا .. كيف يمكن لاي احد منا ان يشعر بالامان؟

النتيجة نوع من الصدمة الجماعية. في المانيا والاردن وكل مكان.

وهو رد فعل بشري طبيعي. تشكلت ادمغتنا بحيث ان الخوف يفوق كل شيء آخر.

لكن عندما تغرق أدمغتنا بالخوف، يصبح من الأصعب بالنسبة لنا التفكير بعقلانية.

يشجعنا على الانغلاق على الذات.

وبصورة مقلقة، يزيد من خطر تحولنا الواحد ضد الاخر .. لانه كلما زاد شعورنا بالريبة وعدم الثقة، كلما زادت سهولة صعود الديماغوجيين. نبدأ بالاهتمام للاشخاص الذين يقدمون إجابات مبسطة للاسئلة المعقدة. للاشخاص الذين يلهبون ويعززون مخاوفنا، بدلا من حشد وحدتنا وقوتنا.

نحن نرى تلك الظاهرة في العديد من الدول. وقد لا يكون مفاجئا.

ولكن ان تركنا الارهابيين يفرقوننا، فنحن نقوم بالحرب نيابة عنهم.

لذلك الان هو الوقت لنا جميعا للتعاون والوقوف معاً. نتذكر: قيمنا، ومبادئنا، ومُثلنا وهي أقوى من تلك التي لدى اعدائنا.

دعونا نتبنى الحقيقة الاساسية في قانونكم الاساسي: "الكرامة الانسانية يجب ان لا تنتهك حرمتها". عالمنا لطالما كان في افضل احواله عندما عمل الناس الجيدون معا من اجل الكرامة.

التعاون العالمي والثقة العالمية هما ركيزتان أساسيتان للتقدم العالمي... سواء كنا نتعامل مع الفقر او الصحة العامة .. تغير المناخ او النزاع.

تلك القيم ذاتها يجب ان تدفع استجابتنا للاجئين.

لانه عندما نفكر باللاجئين، الغالبية العظمى هم اناس جيدون. اشخاص هربوا من العنف في بلدانهم – لا يحاولوا جلب العنف لبلداننا.

هنا في المانيا، قرأت عن تطوع لاجئين في مساكن الرعاية الدائمة، لانه كما قال احد الشباب "في سوريا، من الشائع أن يساعد الشباب الكبار في السن".

قرأت عن العشرات من اقسام الاطفائية المحلية التي ساعدها لاجئون .. عن لاجئين يطورون تطبيقات .. ويدرسون علم الفلك .. ويطعمون المشردين .. ويعزفون الموسيقى التي ترفع المعنويات لكل من يسمع.

ومن اجل الريادة في هذه الاوقات العصيبة، هذه هي نوعية القصص التي يجب ان نزيدها. هذه هي القصص التي يجب ان تملأ تويتر .. وتدعم ما اسميه التعاطف الرابع.

لكن التعاطف الرابع ليس سهلا. كما انه ليس راضياً عن الوضع الراهن. انه يعتمد على الانحياز للعمل والجرأة اللذان يميزان عملكم كقادة اعمال.

لان ازمة اللجوء هي منتج ثانوي لعالمنا المترابط واختبار لمتانته. واختيارنا لكيفية للتعامل معها الان سيتردد صداها لعقود قادمة.

يمكننا ان نترك هذه الازمة تستقطب رجال السياسة وشعوبنا، تفرقنا وتجعلنا نتراجع - شيء سيكون له ثمن باهظ للتقدم الانساني ولتجربتنا للعالم من حولنا.

او يمكننا ايجاد طريقة للتعامل بفعالية مع هذه الحقيقة العالمية الجديدة ونجعلها تنجح بالنسبة للجميع .. ادراك ان الازمة هي اكثر من اللاجئين. إنها عن مستقبلنا المشترك.

انا فخورة جدا ببلدينا ومواطنينا لكل ما قدموه. المانيا والاردن استقبلت كل منهما اكثر من مليون شخص .. فتحنا احيائنا، ومواردنا، وقلوبنا لتقديم الدعم والملاذ الآمن.

ولكن لن يكون ذلك كافيا. تتطلب ازمة اللجوء حلولا اكثر استدامة. لان الاساليب الحالية تعتمد باكملها تقريبا على المساعدة الانسانية .. التي تقود الى ضعف الدعم.

في الاردن، كل شخص سابع هو لاجئ سوري...

نقوم بكل ما يمكننا للتشارك .. ولكننا نصل الى اقصى حد؛ مرونتنا ومواردنا أجهدت. نحتاج الى نهج جديد يركز على النمو والاستثمار.

حان الوقت لاعادة تشغيل نهج العالم تجاه اللاجئين مع التعاطف الرابع.

وكما قال احد عمال المساعدة الالمان في الاردن ذات مرة، "هناك فرصة فريدة لجلب تفكير مختلف ومفاهيم مختلفة".

يمكن ان يحدث ذلك .. اذا تحول المجتمع العالمي من مجرد تقديم الطعام والمأوى للمخيمات، واستخدم هذه اللحظة لاطلاق شعلة التطور الاقتصادي، وايجاد فرص اكثر للجميع.

هذا هو الهدف من وثيقة الاردن التي اطلقناها بداية هذا العام.

خلال السنوات الثلاث القادمة، تعهدنا بتوفير وظائف للاجئين السوريين.

لكن تقديم المزيد من الوظائف يتطلب صب استثمارات لتوليد الوظائف، لانه لا يمكن ان يأتي ذلك على حساب وظائف الاردنيين، حيث ان مواطنينا دفعوا ثمنا غاليا لهذه الازمة.

وهنا يأتي دوركم جميعا. يمكنكم المساعدة في صنع التاريخ في الوقت الحالي.

معا نستطيع توفير فرص اقتصادية تساعد اللاجئين ليصبحوا معتمدين على انفسهم – وفي الوقت ذاته مساعدة بلدي في الخروج اقوى من هذه الازمة، بدلا من اضعافه.

حددت الاردن 18 منطقة اقتصادية خاصة يمكنها توظيف السوريين والاردنيين. موقعنا استراتيجيا ليس فقط على طريق الحرير الجديد، كبوابة من اوروبا لاسيا، لكننا نقدم ايضا حافزا جذابا لاي شركات تستثمر – من ضمنها منفذا تفضيليا لاكثر الاسواق العالمية، واتفاقية جديدة مع الاتحاد الاوروبي والتي تقدم شروطا افضل للمنتجات الاردنية.

مع القوى العاملة المنتجة وبنية الأعمال المناسبة، يمكن للاردن ان يكون مكانا مثاليا لنمو وتطور عملكم - كقاعدة تصنيع ومركزا للاستعانة بمصادر خارجية .. منصة توزيع وتجميع .. او مكاتب ومراكز استشارات.

الفرص ناضجة وجاهزة لاغتنامها في الوصول للتجارة الحرة في التصنيع .. والبناء .. والخدمات الهندسية والمهنية .. وتكنولوجيا المعلومات .. والرعاية الصحية والأدوية .. وغيرها الكثير الكثير.

اذا نجحنا في ذلك، يمكننا تحويل المشكلة الى نجاح مشترك.

ويمكننا النجاح في ذلك.. خاصة اذا اصبح الجمهور شريكا في هذا.

الامكانيات ضخمة .. ولكن هناك حواجز ايضا. وليس لدينا دقيقة لإضاعتها..

لذلك ادعوكم جميعاً لاستثمار هذه اللحظة من اجل الوصول الى حل يؤدي الى تغيير جذري.

اجعلوا هذه حقبة من التجديد – ليس للقطاع الخاص فقط ولكن للبشرية.

اوصلوا الامور الى ما بعد انترنت، الى تطوير الترابط بين الناس.

اثبتوا ان التعاطف الرابع يعني العمل .. الابتكار .. والنتائج.

واجعلوا "يوم الصناعة الالمانية" هذا يساعد في قيادة فجر جديد من الأمل.

شكراً جزيلاً.