كلمة الملكة رانيا خلال اجتماع البنك الدولي

واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية

15 نيسان 2016

شكراً دكتور كيم على كلماتك الطيبة وعلى دعوتي اليوم للانضمام لكم اليوم، وللأمين العام بان كي مون، والرئيس يونكر وجميع الضيوف الكرام.

سمعت مرة قصة عن رجل عجوز لم يعرف كم عمره. وقال أنه أحصى ماله وممتلكاته، ولكنه لم يكلف نفسه عناء عد سنوات عمره. لماذا؟ قال: أولاً لأن لأحد يريد سرقتهم، وثانياً كان يعلم أنه لن يفقدهم.

قبل بضعة أسابيع، جلست مع مجموعة من اللاجئات السوريات اللواتي أظهرن لي الخطأ في حكمة الرجل العجوز.

التقينا في مركز تديره لجنة الإنقاذ الدولية في الأردن. استقبلتني السيدات بابتسامات شجاعة، ولكن بعيون قد رأت رعباً لا يوصف.

قلن لي كيف هربن من سوريا، وهن يحملن الأطفال المنهكين وما في وسعهن من ممتلكات صغيرة حتى وصلن إلى الحدود الأردنية الآمنة.

وشاركن معي قصصاً من الألم الجسدي والنفسي ... واليأس ... والريبة ... والخوف على أطفالهن.

إحدى الأمهات - أم قصي -هربت من سوريا قبل ثلاث سنوات. وهكذا وصفت حياتها: "جئنا هنا لنجد أن علينا البدء من الصفر. ضاعت سنوات من بناء حياتنا في سوريا، وما زلنا ننتظر، فنحن نعيش في الوقت الضائع." 

وقالت لي أم أخرى: "عندما أتخيل مستقبلي ومستقبل عائلتي لا أرى شيئاً."

أيها السيدات والسادة، السنوات يمكن أن تُسرق.

كل عام يقضيه الطفل اللاجئ خارج المدرسة أو في فصول دراسية مكتظة، يقدم فيها القليل من التعلم ... هو عام مسروق.

كل عام يجلس فيه شاب عاطلاً عن العمل غير قادر على تطوير مهاراته، أو ممارسة مهنة وتأسيس عائلة ... هو عام مسروق.

وفي كل عام يعتمد فيه الأب على مساعدات غير ثابتة - بدلاً من وظيفة حقيقية لتوفير ما يلزم لعائلته ... هو عام مسروق.

في منطقتنا نعرف هذه الحقيقة جيداً؛ إذ يحمل الشرق الأوسط للأسف لقب أكبر منتج ومستضيف للنزوح القسري في العالم على مدى السنوات الخمس الماضية وحدها، تدفق 4,8 مليون لاجئ سوري إلى لبنان وتركيا والأردن وغيرها، ومنهم 1,3 مليون إلى الأردن وحده.

هذا يعني أنه من بين كل سبعة اشخاص في بلدي يوجد لاجئ سوري.

لوضع ذلك في سياق اوضح: إذا تلقت الولايات المتحدة تدفق مماثل ، فإن ذلك يعني استيعاب خمسين مليون لاجئ. فكروا بذلك: خمسون مليون.

وهو تقريباً عدد ولاية فلوريدا بمرتين ونصف، وخمسة امثال ولاية أوهايو، وعشرة امثال ولاية كارولينا الجنوبية.

وأنا أستعمل هذه المقارنات مع مدن كبرى عمداً. لأن اللاجئين لدينا ليسوا حبيسين للمخيمات.

أكثر من ٩٠ في المائة منهم يعيشون في المدن والبلدات والقرى الأردنية، وهذا يشكل صدمة ديموغرافية تتعب بنيتنا التحتية الاجتماعية والمادية إلى أبعد حد.

نحن نبذل قصارى جهدنا للتوفير للاجئين السوريين، كما فعلنا مراراً وتكراراً في الماضي مع الفلسطينيين والعراقيين وغيرهم ممن يسعون للجوء والسلامة. لأن هذا طبعنا.

ولكن مع صفوف مكتظة ومعلمون يعملون بنظام الفترتين، تتأثر نوعية التعليم ليس للطلاب السوريين فقط، ولكن للأطفال الأردنيين أيضاً. مراكز الرعاية الصحية لدينا مكتظة ومقدمو الخدمات الصحية مرهقون. وازدادت الإيجارات إلى أكثر من الضعف في بعض المناطق ملحقة الضرر بأضعف الشرائح من السكان.

غطت المساهمات الدولية أكثر بقليل من ثلث نفقاتنا. ولتعويض البقية اضطررنا الى الاقتراض، مما زاد المديونية. فقبل الأزمة، كانت نسبة الدين لدينا للناتج المحلي الإجمالي ٥٥٪، أما اليوم فهي 93%.

إن البلدان المستضيفة مثل الأردن ولبنان وتركيا توفر منفعة عامة عالمية. فهذه أزمة عالمية، ونحن نخدع أنفسنا إذا اعتقدنا أنه يمكن احتواءها. جميعنا يعلم جيداً أن في عالمنا المترابط الأزمة في مكان ما هي أزمة في كل مكان.

ونعرف ماذا يحدث عندما ينظر الناس إلى مستقبلهم ولا يرون شيئاً. وماذا يحدث عندما يُفقد الأمل لفترة طويلة جداً ... وكيف يتغذى الإرهاب على التهميش واليأس.

هناك ثمن لحرمان الأشخاص من الأدوات اللازمة لتحقيق الاستفادة القصوى من حياتهم. ومجتمعنا العالمي يدفع جزءاً من الثمن بالفعل. وإذا لم نستثمر فيهم الآن، سترتفع التكاليف لفاتورة إهمالنا.

يجب أن لا نخطئ: فنحن أيضا نعمل في الوقت الضائع، لأن الوضع الراهن غير مستقر.

ولذلك يجب أن يتم تشارك عبء هذه المسؤولية الإنسانية. ولكن هذا غير كافي. فعلينا ليس فقط زيادة المساعدات الإنسانية، بل يجب أن تتطور.

شئنا أم أبينا، نعيش في عصر جديد من نزوح جماعي غير مسبوق. وهذا واقع عالمي جديد. فوجود ٦٠ مليون نازح في أنحاء العالم ليست أزمة إنسانية مؤقتة، إنما أزمة في التنمية الإنسانية.

ويعرض هذا الواقع الجديد تحدياً على نطاق جديد للتنمية والوكالات الإنسانية ويتطلب نقلة نوعية في وجهات النظر والتفكير.

على سبيل المثال، وضعنا كدولة ذات "دخل متوسط" يعني أننا لسنا مؤهلين لمساعدات التنمية الخارجية الثنائية أو التمويل الميسر. وكنتيجة لذلك، الأردن وغيره من الدول المستضيفة يتم إغراقها في الديون بشكل أعمق.

يجب أن يتغير ذلك. ويسعدني أن أقول أنه بدأ بالتغيير. فكما ذكر الدكتور كيم، في الشهر الماضي، أعلن البنك الدولي أن الأردن ولبنان سيحصلان على تمويل بنسب عادة ما تكون مخصصة لأشد البلدان فقراً فقط.

هذا هو نوع التفكير  الدقيق والتقدمي الذي نحتاجه، وهو ضروري إذا ما أرادت البلدان المستضيفة مساعدة اللاجئين على إعادة بناء حياتهم المحطمة وفي نهاية المطاف أراضيهم المحطمة ... دون أن نتخلى عن تقدمنا أثناء ذلك.

في الأردن، نحن نقوم بدورنا في استكشاف آفاق جديدة.

لأننا نعرف من تجربتنا المباشرة الأولى، أن عيش اللاجئين على المساعدات الدولية ليس مستداما. ونعلم أن الوقت قد حان لوضع نموذج جديد يركز على النمو والاستثمار، وليس فقط على المساعدات والإغاثة ... وهو نموذج نجاح لكل من اللاجئين والمجتمعات المستضيفة.

ولذلك وكجزء من العقد مع الأردن Jordan Compact الذي أعلن في وقت سابق من هذا العام، خصص الأردن خمس مناطق تنمية خاصة والتي - مع الاستثمارات الصحيحة وبالوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي - يمكنها أن تقدم مئات الألوف من فرص العمل للأردنيين واللاجئين السوريين على مدى السنوات القادمة.

وبدعم من المجتمع الدولي، نحن ملتزمون بضمان حصول جميع الأطفال السوريين على التعليم بحلول العام الدراسي المقبل.

لذا، دعونا نعمل معا لجعلها نقطة تحول في الطريقة التي يدعم فيها العالم اللاجئين ... بحيث عندما يحل السلام، تستطيع الأسر العودة إلى ديارها مع الإرادة والمهارة لإعادة بناء حياتهم، وبلدهم ومستقبلهم.

دعونا نضمن ألا يتم سرقة سنوات أخرى، لأنهم لا يستطيعون تحمل ذلك ... ولا نحن أيضاً.

شكراً