كلمة الملكة رانيا خلال حفل إطلاق مبادرة "إدراك"

19 أيار 2014

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أصحاب المعالي والعطوفة، الحضور الكريم،،،،
بحمد الله أبدأ وشكره على نعمه علينا؛ وبالدعوة أن يستتب الإستقرار والأمان في جميع الدول العربية.
سعيدةٌ بحضوركم معنا،..


أبدأ حديثي بالأسباب التي دعت إلى لقائنا اليوم:
لأن إحصائية تلو الأخرى تؤكد على أن نوعية التعليم في الوطن العربي متدنيةٌ، وخبرات خريجيها وقدراتهم لا تحقق متطلبات سوق العمل.
لأننا شبه غائبين عن النشر العلمي العالمي.
لأن صادراتنا من التقنية العالية تشكل صفراً بالمئة من صادرات معظم الدول العربية.
لأن عدد الكتب التي ترجمها العرب منذ عهد الخليفة المأمون -إلى يومنا هذا- تساوي عدد الكتب التي تترجمها دولةٌ مثل إسبانيا...سنوياً..
لأن هناك نقصاً حاداً في المهارات بكل أشكالها.

هذه بعض الأسباب على سبيل العد لا الحصر. والأهم: لأننا في أسفل القوائم العالمية فيما يتعلق بما نعرف.. وكيف ننتج وماذا ننتج. وما لذلك من تأثيرٍ على أوضاعنا الإقتصادية وما نوفره لأطفالنا وعلى شكل مستقبلنا.

للأسف العالم من حولنا ينطلق بسرعةٍ فائقةٍ نحو مستقبلٍ فيه الفكرة والمعلومة المتخصصة والمهارات لبناتٌ أساسيةٌ للعمار والإزدهار.

مستقبلٌ بيننا وبينه بحر... بحرٌ من العلم والمعرفة، تسير فيه السفن بتمكنٍ وبسرعة.
ونحن تنقصنا أساليب الملاحة المتطورة، فبدلاً من أن نجاري وننافس.. أبطأنا حركتنا كي لا نغرق مع هبوب الأمواج العاتية. فالموج الذي لا يركب.... يغرق.

واليوم هبت رياحٌ تحمل معها الإمكانيات والمهارات اللازمة لإحداث نقلةٍ نوعيةٍ في مسارنا... لندرك ما نحتاج لنحقق شروط التطور ومتطلباته، لأن نقفز فوق العقد التي كانت بيننا وبين المستقبل الذي نريد. فالنقـلات النوعية عادةً ما تحدث عندما تلتقي الحاجة بالفرصة.
حاجتنا ماسةٌ لتعليمٍ نوعي؛ وفرصتنا هي التعلم عبر الإنترنت.

ملايين المواقع الزاخرة بالمعلومات، وملايين العقول تضخ نتاج فكرها وبحثها وخبراتها على الإنترنت ليستفيد منها العالم. اليوم المعرفة متاحةٌ لكل من يرغب. اليوم العلم لمن يريد.
"إدراك" ستكون إحدى المنصات التي تقدم مساقاتٍ عالية الجودة لكل متحدثٍ باللغة العربية.
اليوم نطلق "إدراك"، منصةٌ عربيةٌ إلكترونيةٌ غير ربحيةٍ للمساقات المفتوحة. لأن التعليم النوعي المفتوح والمتاح عبر الإنترنت، والقادر على الوصول لملايين العرب بنفس الوقت ومجاناً... هو المركب الأسرع لعلمٍ مواكبٍ لتطورات العصر وقادرٍ على تحسين نوعية حياتنا، سواءٌ كأفراد أو كمجتمعات ودول.

الشكر الموصول لكل من عمل على هذا المشروع، وكل من آمن به ودعمه، وأخص بالشكر ولي عهد ابوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي له بصماتٌ عديدةٌ في تمكين المجتمعات العربية ونهوضها، ولاهتمامه ودعمه المستمر لعملية التعليم كأساسٍ متينٍ في بناء مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وأمتنا العربية.

كما أشكر "مؤسسة ميقاتي" على دعمهم ل-إدراك- وايمانهم بأهمية تمكين الشباب العربي.
السيد أنانت رئيس "إد-إكس" -إحدى أول المنصات العالمية المختصة بالمساقات المفتوحة المصادر- قال: "إن التعليم الإلكتروني هو أكبر حدثٍ مؤثرٍ في التعليم منذ اكتشاف الطابعات".
المعرفة الإلكترونية لن تقل دوراً وتأثيراً عما كان للطابعات والمطابع في الثورة العلمية الأولى... حين جعلت ما كان حكراً على "قلةٍ تعرف" متاحاً لكل من أراد أن يعلم ويقرأ.
التعليم بالانترنت ليس حلاً لجميع مشاكلنا، لكن المعلومة النوعية المتاحة للجميع هي فرصةٌ كبيرةٌ لنا: للإرتقاء بالمعرفة العربية، وللنهوض بالكادر العربي.

فرصةٌ لنشر العلوم والآداب والفنون والمهارات التي توصلت إليها العقول العربية والعالمية باللغة العربية.

فرصةٌ لأن المساقات العالية الجودة المجانية الموجودة الآن -وتشهد إقبالاً كبيراً من كل أنحاء العالم- هي باللغة الإنجليزية. وثمانون بالمئة من شعوبنا لا يتقنون الإنجليزية.
فرصةٌ لأن محتواها متقدمٌ ومواكبٌ لتطورات العالم، و"إدراك" ستنتقي الأفضل من الوطن العربي وتترجم وتعرب الأفضل عالمياً.

أطلقنا "إدراك".... لكي ندرك ما فاتنا. وندرك المستقبل الذي يليق بنا وبتاريخنا وبرسالةٍ بعثت إلينا بدأت بإقرأ!

المستقبل الذي حلم به أجدادنا وأسلافنا حين وضعوا وطوروا علوم البحار والإسطرلاب والبوصلة، لأنهم أرادوا، لأنهم تعلموا.... لأنهم تفاعلوا مع غيرهم وبنوا على علومهم.
نحن الآن أمام فرصةٍ لأن ندرك. لنشق عباب البحر حاملين بين أشرعتنا المهارات والعلم والمعرفة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.