مقابلة الملكة رانيا مع جريدة الرأي العام الكويتية

04 شباط 2007

حوار مع ريم الميع

ريم الميع: بارد طقس عمان، وبرودة الليل ترحل من رصيدها إلى بحر النهار حتى عندما تشرق الشمس وتلقي بثوبها الدافئ على الجبال المتدرجة على مرمى النظر في العاصمة الأردنية، ولذلك فإن الحل البسيط هو التحوط بالمزيد من الملابس الثقيلة.

أما في الجانب المعنوي فإن شعور الغربة، أو لنقل الشوق إلى الديار، هناك، ليس أفضل من علاج له غير انتظار من أسماها أميرنا الراحل طيب الله ثراه (ابنة الكويت) فما أن تطل الملكة رانيا العبد الله على ضيوفها من الكويت حتى تهل الابتسامة على وجوههم. وهكذا كان.

لدى زيارة «الراي» للملكة كانت عائدة من حفل وضع الحجر الأساس لمدينة الأمير هاشم بن الحسين، ابنها الأصغر وجلالة الملك، كانت سعيدة باختيارها من جانب اليونيسيف لتحمل لقب (مناصر بارز للطفل) على ما عرف عنها من احتفاء ومحبة لعوالم الطفولة، وخصوصا المعذب وذي المسحة الإنسانية منها، ثم إنها كانت تعيش مناسبة عائلية كانت بقاياها وآثارها ممتدة من الأمس وهي عيد ميلاد الأمير هاشم، وهو نفسه العيد الذي يصادف عيد ميلاد زوجها جلالة الملك.

هذه الأجواء الدافئة، وأنا التي كنت انتظرتها في مكتبها بقلب عمان وملأت عيني بموجوداته البسيطة الدالة على ذوق رائع وحميم، ثم إن الفتها السريعة والشعور معها بالتقارب في أساليب الترحيب وتبادل التحية والمجاملات.

ثم إن الملكة الأردنية تتدفق حبا ويظهر بريق عينيها وهي تتحدث عن الكويت ومرابع الطفولة والصبا فيها. ومع أنها تلاحظ التغيير في المعالم، إلا أن الأماكن الرئيسية التي تعلق في الذاكرة عن البلدان تبقى كما هي دون تغيير، فوق هذا الحس اللذيذ بالانتماء العاطفي والذكريات الطيبة مع البشر قبل الحجر. ذلك وهذا... مضافا إليه مسحتها الملكية بغير تعقيد أو انفعال، وقربها من النفس بالسؤال عن أدق الأمور، وجدته مشجعا على أن أبدأ بالسؤال:

زياراتك للكويت تحمل معاني خاصة للكويتيين، لديهم شعور بأنك «ابنتهم»، أي مشاعر بالتحديد تعنيها لجلالتك زيارة الكويت؟

الكويت تعني لي الكثير ولها مكانة خاصة في قلبي، فأنا بالفعل أشعر بأنني عندما أكون في الكويت أكون في بلدي وبين أهلي فقد ولدت هناك وكانت خطواتي الاولى في الحياة فيها، وفي هذا البلد الرائع عشت طفولتي وشبابي وكونت صداقاتي الاولى.

قمة المرأة كان يمكن ان تستمر وتتفاعل لتشكل قمة موازية للقمة العربية، ما الذي أدى إلى تراجع دورها مع تنامي دور المرأة في الوطن العربي؟

أنا لا أرى أن قمة المرأة قد تراجعت، بل على العكس استطاعت قمة المرأة أن تحقق الكثير للنساء في العالم العربي، وكان هذا واضحا على مدار سنوات عمل المنظمة، فقد تم اطلاق موقع الكتروني للمرأة العربية، وخلال فترة رئاسة الأردن لقمة المرأة العربية الثانية أطلقنا حملة إعلامية عربية بمشاركة اعلاميين من مختلف المؤسسات الاعلامية العربية.

وتوصيات القمة التي خرجت بها الدول العربية المشاركة في قمة المرأة خلال انعقادها في مملكة البحرين تنوعت، ما بين متابعة تطوير التشريعات العربية المتعلقة بحقوق المرأة وتفعيل الآليات، التي تمكنها من الوصول إلى مواقع صنع القرار، وتعزز دورها في الحياة الاقتصادية، وغيرها من التوصيات التي خرجت بها جلسات المؤتمر، بالاضافة الى اطلاق استراتيجية الشباب العربي لدعم دور المرأة العربية، وهذه جميعا تعتبر انجازات مهمة للمنظمة، ومع ذلك أنا أجد انه ما زال هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى متابعة وعمل من أجل زيادة حجم ونوع الانجازات.

ما رأيك في المرأة الكويتية؟

استطاعت المرأة الكويتية ان توجد لنفسها مكانة عالية في الوطن العربي والعالم بأكمله، وقد حققت انجازات كبيرة منها، مؤخرا مشاركتها للمرة الاولى في الانتخابات، وعندما نتكلم عن المرأة الكويتية، لا نستطيع ان نفصل دورها عن الانجازات التي حققتها دولة الكويت، وفي كافة المجالات، من نهضة اقتصادية وتعليمية، ذلك أن المرأة في الكويت تقف جنبا إلى جنب مع الرجل في جميع الميادين، وهي كما أعرف موجودة وناشطة في كل مجال.

كيف تلقيت خبر نيلها حقوقها السياسية وهل تابعت تجربتها في الوزارة والترشح؟

الوعي الكبير والحكمة الراسخة لدى القيادة الكويتية تجلت في تعزيز أدوار المرأة سياسيا وإداريا، ودخولها في الوزارة كان بمثابة التأكيد على قدرتها في العمل التنفيذي، بالإضافة إلى دورها الكبير في الاسرة حيث تمثل الأم الركن الأساسي فيها.

من داخل اسرتك الصغيرة كيف تقدمين جلالة الملك عبدالله الثاني لاسرته الكبيرة، الاردن، وبماذا تصفينه بعيدا عن السياسة والبروتوكول؟

جلالة الملك هو الاب الحنون، والقائد المتواضع الذي كبر على حب الناس، والشعور بمعاناة الآخرين واحتياجاتهم والشعور بالمسؤولية، وتحديدا اتجاه إحداث التغيير الايجابي في حياتهم، وعلى مستوى العائلة، لجلالة الملك كما يعلم الجميع برنامج عمل مكثف يجعله يستفيد من الوقت الذي يوجد فيه في المنزل، سواء لقضاء الوقت معنا عندما نتحدث او يلعب مع ابنائـــنا او يســـاعدهم في الدراسة.

هل بدأ اهتمام الابناء بالسياسة ومتى في اعتقادك يجب أن يبدأ اهتمامهم بالشأن العام والحياة السياسية؟

كل ما يهم الاطفال الذين في عمر ابنائي هو ان يعيشوا طفولتهم بكل ما فيها، لذلك نحن نحاول ان نوفر لهم حياة مثل أي أسرة أخرى، والمهم بالنسبة لنا أن يكبر ابناؤنا، بينما هم محصنون بالقيم الصحيحة، وأن يشعروا بأنهم جزء من هذا العالم وأن يكونوا قادرين على فهم الآخرين واحتياجاتهم، وقادرين على رسم أحلامهم وتحقيقها.

ما هي البصمة التي تريدين تركها من خلال أنشطتك الاجتماعية محليا ودوليا وما هي الرسالة التي تريدينها أن تصل؟

واجبي كزوجة لملك الاردن ودوري كملكة أن أقف إلى جانب زوجي، وأسانده في تحقيق رؤيته للاردن والاردنيين، وهدفي من الزيارات التي أقوم بها داخل الاردن، هو الوصول إلى المواطنين وسماع احتياجاتهم، والتحديات التي تواجههم، ووضع الحلول ومشاركتهم في ما يحققونه من انجازات. وواجبي اتجاه الشعب الاردني هو ان اعمل على المساهمة في تحسين حياتهم وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم حتى يصلوا الى العالمية، ويكونوا قادرين على المنافسة في العالم بأكمله، وكل ما اقوم به من زيارات ونشاطات يدور حول هذا الهدف.

دوليا ما نؤمن به في الاردن هو ضرورة ايجاد حوار بين الشرق والغرب بهدف تغيير الصورة النمطية المستقرة في الأذهان والتي يتم النظر فيها وعبرها ومن موروثها من كل طرف إلى الآخر، وخاصة نظرة الغرب للعرب والاسلام، ومهمتنا في هذا المجال هي تغيير الصورة من خلال توضيح الرسالة الحقيقية للاسلام، كدين سلام وتسامح وأن الإرهاب لا يرتبط بدين أو جنس عن غيره.

اطلقتم في البحر الميت المؤتمر العالمي للشبكة النسائية للطفولة، ما الهدف من وراء استضافتكم لهذا المؤتمر؟

في البداية أود القول أن المؤتمر جمع عدداً من النساء القياديات من الوطن العربي والعالم بأكمله في خطوة مهمة هدفت إلى تسليط الضوء على موضوعي ارتفاع نسبة وفيات الاطفال حديثي الولادة وتدني مستوى تعليم المرأة وذلك عن طريق استخدام أصوات النساء في مراكز السلطة، سواء السلطة السياسية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفكرية ، للحديث بالنيابة عمن لا صوت لهم ، وقوة تأثيرهن لزيادة قوة الضعفاء، وجاءت فكرة إطلاق الشبكة النسائية للطفولة لتعزيزالجهود التي تبذلها الدول لتخفيض نسب الوفيات بين الاطفال خاصة وان الإحصائيات في العالم ما زالت محزنة، ففي كل دقيقة تموت أم اثناء الولادة، ويتوفى سنويا 4 ملايين طفل حديث الولادة خلال الشهر الأول من عمره، وبحسب دراسة أعدتها اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وجدت انه مقابل بليون دولار في السنة، يمكن حماية حياة عشرة ملايين عن طريق تحصين الأمهات من الآن وحتى العام 2015. أما بالنسبة لتعليم الفتيات فهنالك حوالي 58 مليون فتاة في الدول النامية لا يلتحقن بالمدارس، والامر لا يتوقف عند الارقام فقط فنحن بعدم تعليم المرأة وعدم مشاركتها نضيع الكثير من الفرص والآمال، فتعليم الفتيات لا يمكّنهن اليوم فقط، ولكنه أيضا يحمي حياة الأطفال في الغد، وعندما تحصل الفتاة على التعليم ستكون أكثر قدرة على الاهتمام بأطفالها والعناية بهم من نواحي الصحة والتعليم والتربية.

ماذا يمثل الشباب لجلالة الملكة رانيا العبدالله؟

الشباب يمثلون الغالبية العظمى في الدول العربية، لذلك فإنهم يمثلون الحاضر والمستقبل، ومن هنا تأتي أهمية مساعدتهم على اكتشاف مواهبهم وقدراتهم والاستفادة منها في ما يحقق مصلحتهم ومنفعة المجتمعات التي يعيشون فيها، وبمقدار ما نوفق في هذا الجانب من المساهمة نحو الشباب بمقدار ما تكون مساهمتنا جيدة في رسم صورة مستقبلنا العربي الذي نأمل أو نتمنى، وعندما ننظر إلى الوضع السكاني في منطقتنا حيث يشكل الشباب دون سن 30 عاما ما نسبته 70 في المئة من مجمله، وما يتطلبه من توفير 50 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة ندرك وجوب التركيز على التربية وعلى الشباب كأداة مهمة من خلال التخطيط لتحويل هذا التحدي إلى فرصة.

© حقوق الطبع, جريدة الرأي العام الكويتية