بين طلاب جامعة ييل الأمريكية، الملكة رانيا تتحدث عن الحاجة المتزايدة لتحقيق السلام في المنطقة وتصف معاناة الفلسطينيين لأكثر من 60 عاماً

23 أيلول 2009

نيويورك - نقلت جلالة الملكة رانيا العبدالله أمس أحلام العرب وآمالهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط لالاف الطلاب في جامعة ييل، حيث ألقت جلالتها كلمة تمحورت حول الحاجة المتزايدة لتحقيق السلام في المنطقة.

واستشهدت جلالتها بكلام جلالة الملك عبدالله الثاني قائلة: "حان الوقت لاسرائيل أن تختار: إما أن تندمج في المنطقة، أن تُقبل وتَقبل، ويكون لها علاقات طبيعية مع جيرانها. أو أن تبقى اسرائيل الحصن .. المعزول، وأن تُبقي نفسها والمنطقة بأكملها رهينة للنزاعات والمواجهات المتواصلة".

وفي بداية كلمتها أشارت جلالتها إلى استفتاء جديد بين أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية لا تُعتبر أولوية بالنسبة للأمريكيين خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، فقد بيّن الاستفتاء الذي أجري بداية العام أن 75% من الأمريكيين اتفقوا على أن الارهاب يجب أن يكون في قمة أولويات الرئيس أوباما، بينما لم تحتل أي قضية خارجية أخرى أي مرتبة من المراتب العشرين الأولى في القائمة.

وعلقت جلالتها على تلك النتائج: "لذلك لا أتوقع أن يكون النزاع العربي الاسرائيلي أولويةً في عقول الأكثرية. ومع ذلك، وبطرق مختلفة، هذا النزاع يأتي في قلب العلاقات العربية الأمريكية – أو على الأقل في لب النظرة العربية لأمريكا. فعندما سئل العرب في استطلاع للرأي هذا الربيع عن الخطوتين اللتين يجب على الولايات المتحدة القيام بهما لتحسين رأيهم (أي العرب) عن الولايات المتحدة، قال أكثر من 40% اتفاقية السلام بين اسرائيل وفلسطين. ووجد الاستطلاع ذاته أن 99% يضعون النزاع ضمن أولوياتهم الخمس الأولى ... وقال واحد من ثلاث أن القضية الفلسطينية هي أول ما يشغل بالهم".

وتحدثت جلالتها عن الفرص الضائعة في فلسطين قائلة: "في فلسطين، الجدران ترفع وتمتد، ولا تزول، وللدقة 400 كيلومتراً. والسنوات سببت مشاعر تشبه مسيرة لا تنتهي من البدايات والجمود ... الفرص الضائعة ... والآمال المحطمة ... والعوائد المبعثرة".

وأضافت جلالتها: "لكن بما أنني قادمة من الأردن، أشعر أنه يجب أن أتحدث نيابة عن تلك الأصوات التي قليلاً ما يسمعها الأمريكان .. أن أصف شعور "سرقة الهوية" التي عانى منها الفلسطينيون لأكثر من 60 عاماً".

وبينت جلالتها ما قصدته بسرقة الهوية قائلة: "لأن ألمهم يفوق خسارتهم لأرضهم .. وأشجار زيتونهم .. وسبل كسب رزقهم. مأساتهم تفوق طردهم من منازلهم التي عاشت عائلاتهم فيها لأجيال. وكما عبر عنها أحد الباحثين، الأرض هي "جغرافية الروح الفلسطينية". ففهمهم لأنفسهم ولهويتهم يتجذر عميقاً في ظروف بيئتهم. لذلك كل تعدٍ جديد على مساحة أرضهم المتناقصة تشعرهم بأنها ضربة جديدة لوجودهم. فعدم امتلاكهم لمكان يسمونه مكانهم يشبه عدم امتلاكهم الهوية".

ودعت جلالتها الطلاب للتفكير والمقارنة بين وضعهم ووضع الشباب في فلسطين قائلة: "فكروا بالأمر: عندما تلتحقون بجامعة ييل، من بين أول ما تحصلون عليه هو الهوية. التي تمكنكم من الدخول للجامعة – وتسمح لكم دخول الكليات .. قاعات تناول الطعام .. والمكتبة. تفتح لكم أبواباً. تُدخلكم. تجعلكم تشعرون أنكم جزء منها. وعندما تتركون ييل، تحصلون على ورقة تحملونها معكم: شهادة تعطيكم مركزا قبل أن تتفوهوا بكلمة واحدة".

وأضافت: "في الضفة الغربية وغزة، الشباب أمثالكم يحصلون على هوية أيضاً. ولكن هذه الهوية ليست للدخول. ولكنها لتقيدهم فقط. تحديد الحواجز التي يمكن أن يقطعوها، ما يمكن أن يفعلوه، ما يمكن أن يكونوه. هي تذكير مستمر لهم بأنهم في عيون الآخرين أقل قيمة .. وأقل أهمية .. ببساطة أقل...".

وأضافت: "لا يمكن للآباء الذهاب الى العمل. لا يمكن للطلاب الذهاب إلى الصفوف. لا يمكن للمرضى الذهاب الى المستشفيات. حركة المرور متوقفة بجميع أشكالها، من المشاة إلى السيارت ومن الشاحنات الى سيارات الاسعاف. ويمتزج الفقر مع الشعور بأن لا أحد يهتم .. بأن العالم الخارجي لا يدرك المحن التي يعانيها الفلسطينيون. خاصة في غزة، حيث لطوال عامين، واجهت العائلات عقابا جماعيا من الحصار .. ولمدة ثلاثة أسابيع في بداية العام، تعرضوا لهجوم مدمر – ولم يكن لهم مكان يهربون إليه أو يختبئون فيه .. حتى مستشفيات ومدارس الأمم المتحدة".

وأضافت جلالتها: "اليوم، مليون شخص – تقريبا 70% من سكان غزة – هم لاجئون. المنازل تحت الانقاض. تفتقر المستشفيات للامكانيات. أنابيب الصرف الصحي مهددة بالانهيار والردم. الوضع الاقتصادي انهار كليا. وتقترب نسبة البطالة الى 50%".

وقالت جلالتها: "السلام الحقيقي ليس فقط خطوط جديدة على الخارطة. وليس فقط الجدران على الارض التي يجب ان تزول. يجب ان نزيل الجدران في قلوبنا. هناك الكثير من الالم، الكثير من الخسارة، والكثير من الخوف، الكثير من الكراهية وعدم الثقة. السلام الحقيقي يعتمد على اعادة التواصل مع انسانيتنا المشتركة".

واضافت: "لتحقيق السلام الحقيقي في الشرق الاوسط – او اي مكان في العالم – يجب علينا جميعا ان نتعلم ان نضع انفسنا مكان الاخرين. ان نفكر بامال ومخاوف الاخرين. لانه كلما تمكنا من احترام وجهة نظر الاخرين اكثر، كلما اضفنا وجهات نظر جديدة عميقة لانفسنا".

وأشارت جلالتها الى عدد من القضايا التي شغلت الرأي العام في العقود الماضية والتي حُلت بطريقة ايجابية وحققت تنمية وتقدماً حول العالم، وأسفت جلالتها لبقاء القضية الفلسطينية بدون حل حتى الان.

واشارت جلالتها الى ان الحل السياسي لتحقيق السلام والتعايش يتطلب الشجاعة والمسؤولية والتحرك، والتزام تام من المجتمع الدولي والعالم العربي. واكدت اهمية مواصلة تقديم كل ما يمكن تقديمه لحل النزاع وتحقيق السلام قائلة: "ان رفعنا ايدينا وقلنا هذه المشكلة صعبة جدا .. فنحن لا نتخلى عن عملية فقط .. او نتخلى عن خارطة طريق .. نحن نتخلى عن حياة أناس".

وخلال زيارة جلالتها وتقديرا لجهودها أعلن رئيس الجامعة عن إنشاء برنامج زمالة باسم جلالة الملكة رانيا للدراسات الشرق اوسطية، وسيبدأ البرنامج في عام 2010 للطلاب المستجدين من الشرق الاوسط.

وبعد كلمتها شاركت جلالتها في جلسة حوارية مع مجموعة من طلاب الجامعة، والتقت ممثلين من برنامج خريجي ييل، ومجلس الدراسات الشرق اوسطية وجمعية الطلاب العرب بالاضافة الى مجموعة من الطلبة الأردنيين.

وقد تأسست جامعة ييل عام 1701 ويعمل بها 19 حائزا على جائزة نوبل. وتعتبر من أعظم الجامعات في العالم. ويبلغ عدد طلابها 11000 طالبا يأتون من كافة الولايات المتحدة الأمريكية ومن 110 دول في العالم.