الملكة رانيا تتسلم جائزة الإعلام الألماني

09 شباط 2003

بادن بادن - في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى تطورات الأوضاع على الساحة العربية، تسلمت جلالة الملكة رانيا العبدالله كأول شخصية نسائية جائزة الإعلام الألماني تقديراً لجهودها الدولية في بناء جسور الحوار والتفاهم بين الثقافات والشعوب والتزامها بالقضايا الإنسانية والتنموية على الصعيدين المحلي والدولي.

وخلال الكلمة التي ألقتها جلالتها عقب تسلمها أرفع جائزة تمنح لشخصيات عالمية بارزة لها دورها في التأثير الإيجابي على حياة الأفراد، وضعت جلالتها الإعلام أمام مسؤولياته العديدة في حراسة وضمان حق الأفراد لمعرفة الحقيقة وراء العناوين والإجابة على أكثر الاسئلة صعوبة وتعقيداً. خاصة وأن الإعلام لا يدخر جهداً في السعي لتوثيق ونقل القصص اليومية التي تجسد معاني الإنسانية المشتركة بين المجتمعات والتي أكدت جلالتها سعينا لها من خلال نبذنا لنقاط الإختلاف وأبراز السمات المشتركة بين الجميع.

وخلال خطاب جلالتها الذي ألقته أمام أكثر من 600 شخصية اعلامية وسياسية واجتماعية بارزة. أشارت جلالة الملكة رانيا الى أننا نستيقظ اليوم على حقيقة أن العولمة التي فتحت المجال أمام تبادل الخبرات وتخطي الحدود الشفافة وفرت كماً هائلاً من المعلومات ساعدت على الانخراط في المجتمع العالمي والمساهمة فيه، الا أنها في الوقت نفسه فتحت أبواباً أمام الأفراد ذوي الأفق الضيق والذين يسعون للدمار بالولوج من خلالها.

وأكدت جلالتها تفاؤلها وضرورة التركيز على النقاط المشتركة والامور المتشابهة بين الأفراد والمجتمعات بدلاً من التركيز على نقاط الاختلاف التي جعلت من مفهوم "نحن وهم" يسيطر على كثير من العلاقات خاصة بين العالمين الغربي والاسلامي.

وأوضحت أنه في العالم العربي وتحت الظروف التي يعيشها الفلسطينيون والعراقيون هناك حواجز تبنى تجعل الأفراد يفقدون الأمل في المستقبل وفي تقرير مستقبلهم. قائلة "ونحن نقف هنا لنتحدث عن توحيد عالمنا تبنى حواجز جديدة في منطقتي من العالم، وببنائها تتبعثر الأحلام. وفي الجزء الذي نعيش فيه من العالم يسيطر الخوف على الأفراد. فكلنا نخاف من المجهول لادراكنا أن جزءاً كبيراً من تحديد مصيرنا واقع خارج سيطرتنا وارادتنا، هذا الخوف والقلق يعيقان ثقتنا بمستقبلنا".

وخلال كلمتها التي استمع اليها عدد كبير من مسؤولي الإعلام الدولي. أشارت جلالتها الى الصحافيين الذين يحملون مهنتهم على محمل الجد، ويعملون للوصول الى الحقيقة الكاملة، ويبعثون في الأفراد الطمأنينة بأن هنالك مجالاً واسعاً للأمل في الحياة، مؤكدة على أن الصحافي الجيد هو الذي يعمل بيديه وعقله، والأهم بقلبه في سبيل نقل الحقيقة.

وكانت جلالتها قد لفتت الى أن العديد من هؤلاء الأبطال جاءوا من منطقتي من العالم. ويصدف أن أعزهم على قلبي وقف هنا قبل خمس سنوات لينال الشرف الذي أناله اليوم. كان الملك الحسين رجلاً جسد جميع القيم التي نطمح اليها، كرس حياته للسعي الى السلام بعزم لا يلين، شجع المدافعين عن الخير بنفس العزيمة التي حارب فيها الأصوات المتطرفة، أصر دائما على التمسك برؤياه المثالية. حتى عندما قال المشككون أن هذه الرؤيا لا يمكن تحقيقها، وبهذا جعل الأردن ما هو عليه الان، دولة عقول متفتحة، وأصوات معتدلة، وخطوات شجاعة.

وحذرت جلالتها مجدداً من فقدان الأمل واللامبالاة، كونهما يشكلان خطراً عظيماً على مستقبل الشعوب. مشبهة جلالتها اللامبالاة بالمرض المعدي الذي ينتشر بسرعة حاملاً معه الدمار. لكنها أكدت على أننا قطعنا أشواطا كثيرة وبذلنا جهوداً كبيرة في بناء الجسور وازالة الحواجز لكي نتخلى عن كل هذا اليوم.

وقالت جلالتها أن الحواجز لا تنتمي الى قرن لا مكان فيه للمنتصر والخاسر. فاليوم لا مكان لمصطلحات مثل القوة العظمى أو الهيمنة الكبرى أو النصر الكلي. ففي عصرنا الحالي يمكن أن نحقق النجاح من خلال سيناريوهات يكون الكل فيها منتصراً، وذلك من خلال المفاوضات والفهم المشترك والتنازلات، فمصيرنا المشترك يحتم علينا جميعاً أن ننتصر معاً أو أن نخسر معاً.

وقالت جلالتها التي تسلمت الجائزة الى جانب جلالة الملكة سلفيا أنه وبفضل جهود جلالة الملكة سلفيا فإن أطفال الشوارع في ضواحي ريو دي جانيرو يرون الأمل والحنان لأول مرة.

وكانت السيدة سابينا كريستيانسن أحد أشهر الشخصيات الاعلامية الألمانية قد قدمت جلالة الملكة رانيا العبدالله لاستلام الجائزة، واصفة جلالتها بأنها شخصية ذات تأثير قوي على حياة الأردنيين من نساء وأطفال. استطاعت من خلال التزامها بالقضايا الانسانية والاقتصادية أن تعمل على تحسين نوعية الحياة لهم.

كما أبرزت سابينا دور جلالة الملكة رانيا خلال ترؤسها لقمة المرأة العربية الثانية في عمان والتي وصفتها بقمة غير تقليدية عززت مبدأ الحوار بين النساء العربيات وبين غيرهن.

وخاطبت سابينا جلالتها بقولها "لقد تابع الجميع قبل أسبوعين مشاركة جلالة الملكة رانيا في المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث تحدثتي وقتها عن السلام والتسامح كأساسيات للحياة بدلاً من اعتبارهما مجرد أهداف نسعى للوصول اليها."

وأشارت الى مصطلح "فجوة الأمل" الذي أطلقته جلالتها على الهوة التي تفصل بين الأفراد الذي يملكون مستقبلاً ومن لا مستقبل لهم. وعن دعوتها للمجتمع الدولي للعمل على ردم هذه الفجوة ببناء جسور التفاهم والحوار والامل بين الأفراد والشعوب.

وقال كارول هاينتز كوجل رئيس جائزة الإعلام الالماني "أن جلالة الملكة رانيا قد أعطت وجهاً جديداً وجريئاً للمرأة العربية. وكان ذلك واضحاً من جهود جلالتها في العديد من المجالات على الصعيدين المحلي والدولي."

وأشار الى مشاركة جلالتها في دافوس عندما أطلقت الحلقة الحوارية بين النساء العربيات والغربيات، مشيداً بادارة جلالتها للقضايا التي تهتم بها في مجالات الطفولة والإقتصاد والشباب.

وفي رسالة متلفزة قدم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون التهنئة الى جلالة الملكة رانيا العبدالله لمنحها جائزة الإعلام الألماني. مشيداً بجهودها في مجالات حماية الأطفال من العنف وتحسين مستويات الحياة للفرد الأردني وتمكين المرأة والشباب لمواجهة متطلبات العصر الحديث.

وقدم المنظمون فيلماً وثائقياً حول نشاطات جلالة الملكة رانيا العبدالله وجهودها الدولية ومدى انعكاسها على القضايا التي تهتم بها على الساحة الأردنية.

يذكر أن جائزة الإعلام الألماني التي تأسست عام 1992 من قبل الإعلامي الألماني كارل هاينتز كوجل تمنح للشخصيات البارزة ذات الحضور الإعلامي المميز على الساحة الدولية. وقد منحت الجائزة لشخصيات عالمية كان من بينها جلالة المغفور له الملك الحسين الذي تسلمها عام 1998، حيث تحدث وقتها عن ضرورة احياء عملية السلام وتفعيلها في المنطقة.

يشار الى أنه تسلم جائزة الإعلام الألماني منذ نشأتها عام 1992 عدد من الأفراد والشخصيات التي شكلت مثلاً ايجابياً يحتذى به من خلال نشاطاتهم وأعمالهم في المجتمعات، وفي النواحي الإعلامية والسياسية. وكان من بين مستلمي الجائزة خلال السنوات الماضية المستشار الألماني هلموت كول والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والرئيس ياسر عرفات واسحق رابين والرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا والرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون والمستشار الألماني شرويدر وعمدة مدينة نيويورك رودي جولياني.