ترجمة مقابلة الملكة رانيا مع الاعلامية الامريكية جوي ريد على قناة MSNBC

03 أيار 2024

جوي ريد: تنضم لي الآن جلالة الملكة رانيا من الأردن. جلالة الملكة، شكراً جزيلاً على وجودك معنا.

الملكة رانيا: شكراً جوي، من دواعي سروري.

جوي ريد: هذا وقت وظروف صعبة للتحدث معك. حتى اليوم قُتل 34 ألف شخص في غزة. هناك خطر حقيقي بحدوث مجاعة جماعية، وكما نعلم، فأنت لست ملكة أردنية فحسب، أنت أيضاً امرأة من أصول فلسطينية. لذا أود فقط أن تتحدثي للحظة عما يحدث في غزة كملكة أردنية، ولكن أيضاً كامرأة من أصول فلسطينية، كأم.

الملكة رانيا: حسناً، كما تعلمون، أعتقد أن الأمر لا يتعلق بأصولي فحسب، ولكن بالنسبة للجميع في العالم العربي، فقد شعرنا بصدمة كبيرة بسبب ما شاهدناه في الأشهر السبعة الماضية. على الرغم من أن أحداث السابع من تشرين الأول كانت صادمة، إلا أنه لا يمكن تبرير هذه الحرب. هذه ليست حرباً عادية. كل حرب قبيحة، ولكن هذه... العاملون في المجال الإنساني الذين رأوا كل شيء ممكن، قالوا إنهم لم يشهدوا شيئاً مثل ما يحدث من قبل. العقاب الجماعي للناس، وتهجير 1.7 مليون شخص من منازلهم، ومنهم هجروا أكثر من مرة. وحقيقة أن 70% من الـ 35 ألف شخص الذين استشهدوا هم نساء وأطفال. وفي هذا الصراع –  حتى نضع الأمور في نصابها – فاق عدد الأطفال الذين قتلوا على مدار خمسة أشهر عدد الأطفال الذين قتلوا في جميع الصراعات التي شهدها العالم في السنوات الأربع الماضية.  لم يُقتل الأطفال بهذا المعدل في أي وقت آخر في التاريخ، وهذا أعلى معدل قتل منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. ولذا هناك غضب شديد في العالم العربي وفي جميع أنحاء العالم بسبب ما نشهده. ولكن هناك أيضاً غضب من عدم اكتراث العالم، والسماح بحدوث ذلك. وبعد السابع من تشرين الأول، وقف العالم كله وأدان تلك الأعمال، لكننا لا نرى نفس رد الفعل تجاه ما يحدث اليوم. ونحن نرى أشخاصاً يسمحون لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي دون أي عواقب. وهذا يخلق شعوراً بخيبة الأمل في العالم العربي وتساؤلاً حول تطبيق القانون الدولي بشكل انتقائي؟ لماذا حياتنا أقل قيمة؟ هل نحن مهمون في هذا العالم؟ وأعتقد أن هذا يمثل نقلة نوعية في الطريقة التي ننظر بها إلى نظامنا العالمي. على الرغم من فظاعة ما يحدث في غزة، أعتقد أن حالة نظامنا العالمي اليوم تبدو في الواقع أسوأ بكثير.

جوي ريد: حسناً، دعينا نتحدث عن بعض ردود الفعل لأنك رأيت جنوب أفريقيا ترفع قضية في محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بسبب سلوكها في الحرب. لقد رأينا مؤخراً رئيس الوزراء نتنياهو يدلي ببيان، بيان عبر الفيديو، يعرب فيه عن قلقه من أن المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي أيضاً، قد تصدر أوامر اعتقال ضده وضد أعضاء آخرين في حكومته بشأن سير الحرب. ما رد فعلك على ذلك؟ هل هو رد الفعل المناسب لتحقيق العدالة؟ هل لديك ثقة بذلك؟

الملكة رانيا: حسناً، ينزعج المسؤولون الإسرائيليون كثيراً عند سماعهم كلمات مثل الإبادة الجماعية أو الفصل العنصري، ويرفضونها ويقولون إنها كلمات كبيرة يستخدمها الناس بسهولة. والآن، اعتبرت محكمة العدل الدولية وهي أعلى محكمة على الأرض أنه من المحتمل أن إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين، أصدرت أوامر مؤقتة، تطالب إسرائيل بإيقاف أعمال الإبادة الجماعية وتسهيل دخول المساعدات دون عوائق. الآن، قد يستغرق الأمر سنوات حتى تتوصل المحكمة إلى حكم نهائي، لكن لا يمكننا الانتظار. الناس يُقتلون اليوم. التاريخ يُكتب اليوم. ونحن بالفعل متأخرون جداً. وكلما طال انتظارنا، كلما كبرت وصمة العار على الضمير العالمي. ومجرد مناقشة المسميات: هل هي إبادة جماعية، أم لا؟ مجرد نقاش ذلك ينبغي أن يسبب صدمة عبر مجتمعنا الدولي. من يريد أن يخاطر في أمر مثل الإبادة الجماعية؟ وأولئك الذين يهاجمون قرارات محكمة العدل الدولية هم في الواقع يستخفون بالمنظومة الدولية التي تضمن التزام الدول بمعايير سلوك معينة. لذا، نعم، أعتقد أنه من المهم أن تتخذ المحكمة الجنائية الدولية إجراءً، ومن المهم أن تتخذ محكمة العدل الدولية إجراءً لكننا لا نريد مبادرات رمزية.

في النهاية، شهدنا تغيراً في اللهجة واللغة من الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، حيث تحاول الضغط على إسرائيل لعدم دخول رفح على سبيل المثال، أو السماح بدخول المزيد من المساعدات. لكن في نهاية المطاف، أبدى المسؤولون في إسرائيل تردداً في الاستجابة لأي نصيحة أو تحذيرات أو مشورة من حلفاء. لذا، هناك حاجة إلى إجراءات على أرض الواقع من أجل وقف فعلي للمستوطنات غير الشرعية، وضرورة إدخال المساعدات، وعدم الاستمرار في تقديم الأسلحة الهجومية التي تقتل الآلاف من الأرواح البريئة، أو أن تكون عملية تزويد الأسلحة مشروطة. هذه الأفعال مهمة للغاية، ومن المهم أيضا ممارسة الضغط الدبلوماسي ووقف استخدام حق النقض الذي يسمح لإسرائيل بالإفلات من العقاب على عكس الدول الأخرى. إنها سابقة خطيرة للغاية، وهذا ما يغضب الناس، عندما يتم انتهاك القانون الدولي دون أي عواقب، عندما يتم تجاهل قرارات الأمم المتحدة أو رفضها، ماذا يعني ذلك؟ ماذا يعني تطبيق القانون الدولي الإنساني بشكل انتقائي؟ أو عندما تتم معاقبة دول معينة بسبب سجلها الضعيف في مجال حقوق الإنسان، في حين تتم مكافأة إسرائيل، المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية محتملة، بمزيد من الأسلحة؟ أين العدالة هنا؟ وأعتقد أن هذا يسبب الكثير من الغضب. وأعتقد هناك حاجة للنظر إلى واقع الفلسطينيين والحياة تحت الاحتلال لكي نحاول إيجاد طريق معقول وعادل للمضي قدماً.

جوي ريد: هل تعتقدين أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجرم حرب؟

الملكة رانيا: ليس مهماً ما أعتقد. أعتقد أن المهم هو ما يقوله القانون الدولي. لذا سأترك الأمر للمحاكم. أنا لست خبيرة قانونية. لكن ما يمكنني قوله هو أن ما يحدث في غزة اليوم، عندما تحرم الناس وتعرقل دخول المساعدات، وعندما تعتمد التجويع كسلاح حرب، فهذا عقاب جماعي، وهذه جريمة حرب. عندما تقوم بتهجير سكان بأكملهم، فهذه جريمة حرب، عندما تقتل الكثير من المدنيين بشكل عشوائي. وحجة الدروع البشرية برمتها تبدو جوفاء. عندما يكون لديك بقعة صغيرة من الأرض مثل غزة، وهي واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، وتستخدم عدداً غير مسبوق من القنابل الضخمة، تلك القنابل التي تزن 2000 رطل، أو القنابل غير الموجهة التي تسمى بالقنابل الغبية، كيف يمكن ألا تقتل المدنيين؟ وعندما تقول دروعاً بشرية أيضاً، أينما يكون قادة حماس، سيكون هناك مدنيون حولهم بشكل تلقائي. لذا فهل من المفترض أن نصدق أن إسرائيل التي تستخدم أيضاً أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحقيق أكبر عدد من الأهداف وقتل أكبر عدد ممكن من الناس، وبذلك تتجاهل جميع مبادئ التناسب والتمييز بين المقاتل والمدني….  -فعلا لقد تجاهلوا هذا المبدأ- هل من المفترض أن نصدق أنهم يحاولون تجنب قتل المدنيين الأبرياء؟ عندما تم قصف 80% من المدارس، و80% من المراكز الصحية، وتدمير 60% من المنازل، هل كان هناك ناشط من حماس في كل سيارة إسعاف، وفي كل عيادة، وفي كل ساحة مدرسة؟ هل من المفترض أن نصدق ذلك؟ من الواضح جداً أن إسرائيل ليس لديها مشكلة في استهداف المدنيين، وأنهم يستخفون بقيمة حياة الفلسطينيين. وردة فعل إسرائيل كلما حدث عنف ضدها هي معاقبة جميع الفلسطينيين على أفعال قلة منهم. إذاً، هذا عقاب جماعي، وهذه جريمة حرب.

جوي ريد: لقد رأينا ردود فعل على ما نراه على أرض الواقع في غزة في جميع أنحاء العالم. لقد رأينا احتجاجات في جميع أنحاء العالم. لقد رأيناها في الولايات المتحدة في حرم الجامعات. هناك صور في غزة لأطفال يرفعون لافتات تشكر طلاب جامعة كولومبيا وجامعات أخرى على دعمهم. لكننا رأينا أيضاً حملة قمع واسعة ضد تلك الاحتجاجات في الولايات المتحدة. ما تعليقك على تلك الاحتجاجات؟ هل تعتقدين أنها ستحدث أي تغيير؟

الملكة رانيا: حسناً، يمكننا أن نتفق جميعاً على أن القانون والنظام مهمان للغاية. لا أحد يريد الفوضى. ومعاداة السامية أمر موجود وهي في تزايد، ولا ينبغي لأي طالب أن يشعر بعدم الأمان في الحرم الجامعي. لكنني أعتقد أن التوتر يتأجج بشكل متزايد لدى جميع الأطراف، لدرجة أنه لم يعد هناك تركيز على ما يحتج عليه هؤلاء الطلبة بالفعل. وكثر الحديث عن كيفية التعامل مع هذه الاحتجاجات، بدلاً من النظر إلى ما يحتج عليه الطلاب، وهو الواقع في غزة. رأيت تغطية عن الاحتجاجات، لكنني لم أشاهد تغطية كافية حول سببها. هناك حاجة لمواجهة الحقائق على أرض الواقع لما يحدث في غزة نفسها. الآن، وفي نفس الوقت، يتم تجاهل هؤلاء الطلاب والقول أنهم لا يعرفون ما الذي يتحدثون عنه، أو أنهم بحاجة إلى تثقيف، أو أنهم يحتجون فقط من أجل الاحتجاج. أعتقد أن هذا الاستخفاف بهم ليس مجرد استعلاء، بل انه أيضا إهانة كبيرة لهؤلاء الطلاب الذين يعرفون تماماً سبب وجودهم هناك. وقد نظروا في هذه القضايا. هناك دائما عناصر سيئة. هناك دائماً أشخاص يريدون تخريب الاحتجاجات ومحاولة تشويه رسالتها، ولكن هناك أيضاً الكثير من الأشخاص الذين يدافعون حقاً عن قضية. وبالنسبة لهم، أصبحت هذه القضية تتعلق بالعدالة الاجتماعية. لا يتعلق الأمر بفلسطين فقط. بل إنهم يحتجون على التناقض بين عالم قيل لهم أنه يجب أن يكون على هذا النحو، وبين ما هو عليه في الواقع. يقولون نعم نريد منكم أن تسحبوا الاستثمارات من الاحتلال غير الشرعي، لكنهم يشيرون أيضاً إلى أن القصة أكبر مما تم إقناع العالم به. إن هذه الرواية التي تعلمها هؤلاء الشباب عن أن إسرائيل هي الضحية دائماً، وأن الفلسطينيين، الذين يقبعون تحت الاحتلال هم المعتدون دائماً ليست دقيقة. الآن، الكثير من الناس صدقوا هذه الرواية. وأعتقد أنه عندما يتحدى شخص شيء قد آمنت به لفترة طويلة، فإن ردة فعلك ستكون تحدي ذلك والدفاع عن قناعاتك. لكنني أعتقد أن هذا يدفعك خارج ما هو مألوف ومريح، وهناك يحدث التغيير.

وبالإشارة لما ذكرتيه عن أصولي الفلسطينية التي بسببها قد أتعاطف أكثر مع الجانب الفلسطيني. ولهذا أضع نفسي كل يوم بتحدٍ لأشعر بما يشعر به شخص اسرائيلي عادي، وأن أحاول رؤية الأمور من وجهة نظره – كأحد أقارب الرهائن مثلا، أو مجرد شخص عادي يشعر بالقلق من الصواريخ التي تطلق فوقه. أحاول التفكير بذلك. كل ما أريده هو أن يحاول الجميع ولو لمرة واحدة أن يضعوا أنفسهم مكان الفلسطينيين.

من الصعب جداً أن تستوعب واقع الاحتلال، وما يعنيه أن تكون فلسطينياً تحت الاحتلال الإسرائيلي.  أن تعرف أنه يوماً تلو الآخر، يتم التحكم بكل جانب من حياتك، ويتم إذلالك. أن تعلم أنه في أي لحظة، يمكن أن يتم احتجازك أو اعتقالك، دون مبرر، ودون أي مظهر من مظاهر الإجراءات القانونية، ودون أي عواقب. هذا هو واقع  الحياة للفلسطينيين. وحتى مجرد التنقل اليومي للفلسطيني يدل على الكثير: يتعلق الأمر بنقاط التفتيش والتأخير الروتيني. لا يمكنهم الانتقال من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) دون تصاريح ودون عمليات تفتيش. يتعلق الأمر بالاقتحامات الليلية، وعمليات التوغل العسكري، ومصادرة الأراضي، وأخذ الأطفال من أسرتهم في منتصف الليل. إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية. كتبت منظمة إنقاذ الطفل تقاريراً حول هذا الأمر، كيف يتم أخذ الأطفال عادة من أسرّتهم ليلاً، يتم القبض عليهم دون تهمة. أحياناً تكون التهمة مجرد رمي الحجارة، وقد يؤدي ذلك إلى السجن لمدة 20 عاماً.

وبعد ذلك يتعرضون للكثير من الاساءة في نظام السجون، حيث يتم احتجازهم في الحبس الانفرادي والتفتيش عراة. الضرب بالطبع، والحرمان من أدويتهم، بالكاد يتم إطعامهم... هذا واقع الفلسطينيين، واقع الناس الذين يعيشون في الضفة الغربية. قيل لنا أن كل ما يحدث اليوم هو رد على أحداث السابع من تشرين الأول. حسناً، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نرى ما يحدث في الضفة الغربية، والتي لا تديرها حماس، بل السلطة الفلسطينية؟ تم اعتقال 8 آلاف شخص في الضفة الغربية. واستشهد حوالي 500 شخص، وكان من بينهم 124 طفلاً. نرى استيلاء على الأراضي في الضفة الغربية. لقد شهدنا أكبر عملية استيلاء على الأراضي منذ 30 عاماً في شهر آذار – 800 هكتار من الأراضي الفلسطينية. وبلغت هجمات المستوطنين المسلحين مستوى قياسي. يهاجمون منازل الفلسطينيين، ويحرقون المحاصيل، ويهاجمون ألواح الطاقة الشمسية، وخزانات المياه، والسيارات... وهذا يحدث كل يوم. وهو تحت مرأى من الجيش، إن لم يكن بمشاركته. والجيش هو الذي يزودهم بالسلاح. والخطوط الفاصلة بين الجندي والمستوطن مبهمة إلى درجة عالية وكأنها غير موجودة. لذا فإن محاولة تصوير مجتمع المستوطنين على أنه مجتمع هامشي ليس صحيحاً. يشغل العديد من المستوطنين مناصب في الحكومة والبرلمان والنظام القضائي. لذا فإن أجندتهم لا يمكن فصلها عن أجندة الدولة.

جوي ريد: بالنظر إلى كل ذلك، أعني في عام 1994، ربما كنت حينها في الجامعة أو ربما بعدها مباشرة -

الملكة رانيا: لا، كنت متزوجة.

جوي ريد: كان هناك اتفاق سلام تم التفاوض عليه بين والد الملك، الملك حسين وإسحق رابين. وكانت هذه معاهدة السلام الثانية فقط بين دولة في العالم العربي وإسرائيل. واغتيل اسحق رابين بعد نحو عام من ذلك. ثم تبعه بالطبع رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. بالنظر إلى التاريخ، هل تعتقدين أن رئيس الوزراء نتنياهو يريد السلام مع الفلسطينيين بالأساس؟

الملكة رانيا: لقد عاصرت توقيع الملك حسين معاهدة السلام مع رابين، وشهدت تلك العلاقة. لقد كانت علاقة ثقة بين رجلين أدركا أن عليهما تقديم تضحيات وتنازلات من أجل رؤية أكبر للسلام. أعلم أنهما أرادا سلاماً دافئاً. لم يكن مجرد سلام استراتيجي. لقد أرادا سلاماً بين الشعبين. ورأيت مدى شغف والد زوجي بهذا الأمر وكنا تحدثنا كثيرا عن هذا الموضوع، وأنا حقاً ملهمة جداً من رؤيته للسلام. وهو الذي قال لي ذات مرة: "رانيا، عليك دائماً أن تضعي نفسك مكان الشخص الآخر". لم أنس هذه الكلمات أبداً. طلب بسيط ولكن نادراً ما يقوم به الناس هذه الأيام. وهذا هو مدخل التعاطف.

ولكن ما حدث بعد اغتيال رابين هو أنه، كما قلت، جاء رئيس الوزراء نتنياهو ورأينا السياسة في إسرائيل تتحول تدريجياً نحو اليمين أكثر فأكثر فبتنا بالكاد نرى الآن اية مجموعات سلام. كنت أجلس بشكل روتيني مع مجموعات سلام فلسطينية وإسرائيلية للحوار وبناء الجسور، لأنني لطالما اعتقدت أن ذلك مهم جداً.

جوي ريد: صحيح.

الملكة رانيا: لم يعد هناك "يسار" يمكن الحوار معه. في كثير من الأحيان، يبدو الأمر كما لو أنك تتحدث إما إلى أقصى اليمين أو اليمين المتطرف. كما أن هناك أيضاً الجانب الأيديولوجي، حيث أن اليهود القوميين المتطرفين لديهم اعتقاد عميق بأن فلسطين لهم من النهر إلى البحر. ثم هناك السياسة، حيث من الواضح أن نتنياهو يفكر  بمستقبله السياسي. ولذلك أعتقد اليوم أن الأجيال القادمة ليست الأولوية، لكنهم كانوا الأولوية بالنسبة للملك الحسين عام 1994.

جوي ريد: ماذا عن الرئيس بايدن؟ كيف تقيمين تعامله مع هذا الوضع حتى الآن؟ وماذا تريدين أن تري الولايات المتحدة تفعل؟

الملكة رانيا: حسناً، أريد فقط أن يفهم الناس أن الولايات المتحدة، في نظر العالم جزء من هذه الحرب. إنهم يشعرون أن الولايات المتحدة تُمكن هذه الحرب. يقول المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم: "لا يمكننا شن هذه الحرب دون دعم الولايات المتحدة"، لأنها تقدم الأسلحة وكل الدعم، إلى جانب استخدام حق النقض، وما إلى ذلك. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير على إسرائيل. وبالنسبة لكثير من الناس، لم يتم استخدام هذا النفوذ بشكل فعال، على الرغم من أن الدعم غير المشروط لإسرائيل، بالنسبة للكثيرين، تجاوز أي حسابات سياسية معقولة.

الآن، كان هناك بالتأكيد تغيير في اللهجة واللغة من الرئيس بايدن؛ لقد رأينا ذلك. إنه يحاول ممارسة الضغط. ولكن أعتقد أن الكلمات وحدها غير كافية. لأنه كما قلت، هناك إحساس قوي عند المسؤولين الاسرائيليين بالحصانة، وقد أقول بالعدائية أيضا، حيث يعتبرون أن القانون الدولي لا ينطبق بالضرورة عليهم.

جوي ريد: لكن هل يمكنك قول ذلك –  فكما تعلمين، كانت هناك احتجاجات داخل إسرائيل أيضاً.  لذلك يبدو أنه لا يزال هناك "يسار" يعارض هذه الحرب بشدة ويُحمّل أيضاً رئيس الوزراء نتنياهو مسؤولية الفشل في توقع هجوم السابع من تشرين الأول.

الملكة رانيا: معظم الاحتجاجات ضد الحرب هي بسبب رغبتهم في تحرير الرهائن.

جوي ريد: بالتأكيد.

الملكة رانيا: ... ليس لأنهم في الواقع ضد الحرب. لذا، أعتقد أنه بالنسبة للكثيرين منهم، إذا تمكنت من تحرير الرهائن، فيمكنك بعد ذلك مواصلة الحرب. وهذا يدل على مدى تطرف المجتمع الإسرائيلي. كما تعلمون، هناك عنصرية منتشرة وعميقة وثقافية معادية للفلسطينيين موجودة الآن في المجتمع الإسرائيلي. وهذا نتيجة لعقود من تصريحات المسؤولين، والحكومة، والإعلام، والعسكريين: القول أن الفلسطينيين شعب عنيف بطبيعته، ولا يفهمون إلا لغة القوة، وأنهم مخطئون دائماً، وأن هناك دائماً ما يبرر لإسرائيل إلحاق أي ألم بالفلسطينيين لأنهم يستحقونه. إنهم (الفلسطينيين) لا يعانون مثلنا (الإسرائيليين)، ليس لديهم نفس أخلاقياتنا. وهذا ينعكس بالمناسبة في التصريحات التي سمعناها من المسؤولين أخيراً – أنا لا أقول ذلك؛ هم يقولون ذلك، إنهم يقولون "حيوانات بشرية". يقولون إن كل سكان غزة هم هدف مشروع. يقولون إن هؤلاء هم أطفال الظلام، وأنهم يفهمون قانون الغاب فقط - كيف يمكن أن يكون قول ذلك مقبولاً؟

جوي ريد: إذن، ونحن ننهي حديثنا، هل هناك أسباب للأمل؟ لأنه لا يزال هناك حديث عن حل الدولتين، لا يزال هناك حديث عن وجود "ما بعد" بطريقة أو بأخرى، عندما تنتهي هذه الحرب يوما ما؟ هل هناك ما يدعو للأمل، نظراً للمنطقة، والغضب في المنطقة، ونظراً لما قلتيه؟

الملكة رانيا: إذا كان لدي أمل، فذلك لأنني أعتقد أن الوضع الراهن غير قابل للاستدامة – لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين. لا يمكن العودة إلى الأيام التي سبقت الحرب. لقد تم كسر ذلك الوضع القائم إلى الأبد، وهو وضع كان قائماً على الاحتلال غير الشرعي الذي غذى الخوف وانعدام الأمن عند الطرفين. إنه الوضع الراهن الذي ليس له آفاق سياسية، وبالتالي جعل خيار العنف أكثر جاذبية. وأعلم أن البعض يستهزء بحل الدولتين، لأنهم يعتقدون أنه غير قابل للتطبيق.

جوي ريد: صحيح.

الملكة رانيا: لكنني أعتقد أن ما نحن عليه اليوم يعطي دافع أكبر للتوصل إلى حل الدولتين، لأنه ما البديل بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين؟ ما هو البديل؟ هل سنستمر في الدوران بحلقات من العنف؟ هل ستحتل إسرائيل فلسطين إلى الأبد؟

جوي ريد: صحيح.

الملكة رانيا: هل ستصبح (اسرائيل) دولة منبوذة، دولة فصل عنصري؟ هل سيظل الفلسطينيون شعب مقهور؟ هل سيستمر خلق المزيد من الوقائع على الأرض؟ ولكن هنا تكمن المشكلة، عندما يبدأ المجتمع الدولي، ويتحدث المسؤولون عن حل الدولتين، لا ينبغي أن يصبح ذلك مجرد شعارا يردده المسؤولون لحفظ ماء وجههم سياسيا. لأنه في الماضي كان الحديث عن "عملية السلام" و"معايير السلام" و"المراحل الانتقالية نحو السلام" مجرد وسائل للمماطلة، وتكاد تكون غطاءً لتبرير استمرار إخضاع الفلسطينيين للظلم وخلق حقائق جديدة على الأرض. لذا، بينما كانت عمليات السلام هذه تحدث، شهد الفلسطينيون تراجعاً مستمراً في واقع حياتهم. وبالتأكيد هنالك شيء آخر: لن يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون التوصل إلى اتفاق بمفردهم.

جوي ريد: صحيح.

الملكة رانيا: على المجتمع الدولي أن يستخدم نفوذه. وهذا يعني أنه عليك أن تكون مستعداً لمحاسبة كلا الطرفين. والوصول إلى سلام عادل لا يمكن أن يقتصر فقط على تطبيق الجانب الأقوى لإرادته على الجانب الأضعف، مما يعني أنه يتعين فهم عدم توازن القوى هنا.

جوي ريد: صحيح.

الملكة رانيا: لدى الفلسطينيين موارد أقل، وتأثير أقل، ونفوذ أقل، ولكن ليس لديهم حقوقاً أقل. ولا يجب أبداً أن تؤدي القوة غير المتكافئة إلى حقوق غير متساوية. وعلى الجميع أن يتذكر أن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال. ولا يجوز أن يتفاوض من هو تحت الاحتلال على حريته مع محتله. ومع ذلك، سابقا كلما جرت مفاوضات، كانت نقطة الانطلاق دائماً هي: ما الذي ستقبل به إسرائيل؟ ما الذي ستوافق عليه إسرائيل؟ وليس “ما هو الحد الأدنى المطلوب منهم بموجب القانون الدولي؟”

لذلك خذ على سبيل المثال، المفاوضات حول الأرض. الأراضي التي احتلت عام 1967، هي بموجب القرار 242 أراضي فلسطينية. لذا، إذا عادت إسرائيل إلى حدود عام 1967، فإن ذلك يعني إعادة إسرائيل للأرض، وليس التنازل عن الأرض. وإذا أخذنا ذلك كنقطة انطلاق، وعملنا على التوصل إلى حلول وسط على الجانبين، فسيكون بوسعنا إيجاد وضع يحمي أمن إسرائيل ويمنح الفلسطينيين أيضاً إقامة الدولة. في نهاية المطاف، لن يكون هناك حل حتى يحصل الفلسطينيون على الحكم الذاتي وحقوق الإنسان ودولة مستقلة... وعندما أقول دولة، أعني دولة ذات سيادة.

جوي ريد: الملكة رانيا، شكراً جزيلاً لك. لكم منا التقدير. شكراً لك.

الملكة رانيا: شكراً لك.